يعني لو عكس الدليل على هذا القائل، وقال: إن الله يحب أن تؤتى رخصه، ما دام رخص في لحوم الخيل يحب أن تؤكل الخيل، وهذا بخلاف الرخصة التي في أكل الميتة للمضطر، هل يقول قائل: إن الله يحب أن تؤتى رخصه ينزلها على الميتة بالنسبة للمضطر؟ إذا كان مضطر قلنا: نعم لا بد من تحقق وصف الاضطرار، وعلى هذا لو أن مضطراً شارف على الهلاك، ووجد ميتة فلم يأكل منها فمات يأثم وإلا ما يأثم؟ يأثم؛ لأن هذه التهلكة التي نهي عنها، لكن إذا قال: أنا أجد نفسي أعافه، الموت أسهل عليه من الأكل من الميتة، هل يكره على الأكل من الميتة أو لا؟ لأن بعض الناس لو يكره على أكل طعام مباح ونفسه تعافه لا يطيق ذلك فضلاً عن كونه محرم، وفيه أمراض، وفيه أشياء، وفيه رائحة منتنة، ميتة.

على كل حال هذا بحث آخر، يختلف عما نحن فيه، لكنه من باب الاستطراد.

الحمر الأهلية قبل خيبر كانت مباحة، وكانت داخلة في {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ} [(157) سورة الأعراف] ثم في يوم خيبر لما حرمت صارت ممنوعة، أكلها حرام، وصارت من الخبائث {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} [(157) سورة الأعراف] وقل مثل هذا في الخمر لما كانت مباحة ثم حرمت، فهل الطيب والخبث وصف حسي أو معنوي؟ إذا قلنا معنوي قلنا: يتبع النص، وتكون لحوم الحمر قبل التحريم وبعد التحريم على حد سواء فائدتها ما تغيرت، ضررها موجود قبل وبعد، إذا كان فيها نفع قبل التحريم فهو موجود بعد التحريم، وإذا كان فيها ضرر بعد التحريم ففيها ضرر قبل التحريم، هذا إذا قلنا: إن الخبث والطيب معنوي، ويتبع النص، وإذا قلنا: حسي، والله -جل وعلا- قادر على أن يجعلها طيبة نافعة قبل التحريم، ويجعلها ضارة خبيثة بعد التحريم، قلنا: إنه حسي، ما المانع؟ وقد جاء في الأثر: "إن الله لما حرم الخمر سلبها المنافع" هذا يذكر عن بعض السلف "سلبها المنافع" وإذا قلنا: إن المنافع منافع دنيوية في الترويج والتجارة وكذا هذا عاد موجود، لكن يبقى أن الإثم أعظم والضرر أكبر.

يقول -رحمه الله تعالى- في الحديث الرابع: "وعن ابن أبي أوفى -رضي الله عنهما- قال: غزونا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سبع غزوات نأكل الجراد" متفق عليه".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015