تقدم في أول الكتاب حديث: ((أحلت لنا ميتتان ودمان، الحوت والجراد)) ميتتان، وهو يؤكل، ولو مات حتف أنفه، وهذا هو الأصل فيه، إذ لا يتصور تذكيته، لا تتصور تذكيته فهو حلال، وإن كان ميتاً، وهنا حديث ابن أبي أوفى -رضي الله عنه- قال: "غزونا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سبع غزوات نأكل الجراد، متفق عليه".

هذا فيه إشارة إلى ما كان عليه -عليه الصلاة والسلام- مع أصحابه أشرف الخلق، وأكمل الخلق، وأفضل جيل سبع سنوات يأكلون الجراد، يعني هل الجراد شيء فاضل أو مفضول؟ مفضول، إنما يؤكل لعدم غيره.

فضيق العيش على النبي -عليه الصلاة والسلام- بحيث يمر الهلال والهلالان والثلاثة -ثلاثة أهلة- في شهرين ما أوقد في بيته نار، ما كان طعامهم إلا الأسودان التمر والماء، وكان يربط الحجر على بطنه -عليه الصلاة والسلام-.

كل هذا يدل على أن انفتاح الدنيا وتوسيعها على بعض الناس وبعض العصور لا يعني أن هذا لمزيد فضل لهؤلاء عند الله -جل وعلا-، أو ما يقابله بالنسبة لمن زويت عنهم الدنيا كصدر هذه الأمة، النبي -عليه الصلاة والسلام- إنما خشي على أمته أن تفتح عليهم الدنيا، وإذا نظرنا إلى ما سبق قبل نصف قرن مثلاً وجدنا أن الأمة عاشت عيشة ضيق وظنك في بعض البلدان، ومع ذلكم ما تنازلوا عن شيء من دين ولا عرض ثم لما فتحت الدنيا وتوسع الناس فيها صارت على حساب الدين، فالذي خشيه النبي -عليه الصلاة والسلام- على أمته وقع، لما فتحت الدنيا وتوسعوا وقليل من عبادي الشكور، نعم من شكر {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [(7) سورة إبراهيم] لكن هذا قليل، وأكثر الناس إذا وسع عليهم يكفرون النعم كما هو حاصل بالنسبة لكثير من المسلمين.

سبع سنوات أو سبع غزوات يأكلون الجراد، هذا فيه أولاً ما يدل على ضيق عيشه -عليه الصلاة والسلام- وليس ذلك لهوانه على ربه، وإنما ليدخر أجره كامل، يجده موفوراً يوم القيامة، وكذلك صحابته -رضوان الله عليهم-، ولما طعم ما طعم من اللحم وغيره، قال: ((لتسئلن عن هذا النعيم)).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015