مقتضى قوله: "وأخرجه" يعني الحديث السابق، والحديث السابق حديث أبي هريرة، وكونه من حديث ابن عباس لا يمشي على قاعدة أهل الحديث في اعتبار الصحابي اتحاداً واختلافاً، فالضمير في قوله: "أخرجه" يعود على ما تضمنه الحديث السابق من معنى؛ لأن حديث أبي هريرة يختلف عن حديث ابن عباس، ولو اتحد اللفظ عند أهل العلم، هذا حديث وهذا حديث، بينما لو اتحد الصحابي صار حديثاً واحداً ولو اختلف اللفظ مع اتحاد المعنى، فقوله: "وأخرجه" يعني المعنى الذي دل عليه حديث أبي هريرة، لكنه من حديث ابن عباس وهو حديث آخر بلفظ: "نهى" هناك ((فأكله حرام)) وهنا بلفظ: "نهى" وهذا يذكرنا بما ذكرناه مراراً من أن الصحابي إذا قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه يدل على التحريم كما لو قال -عليه الصلاة والسلام-، أو قال الصحابي: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا تفعلوا كذا أو لا تأكلوا كذا، ومثله التنصيص على الحكم بلفظ التحريم ((فأكله حرام)) فقول الصحابي: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" بمنزلة: "لا تفعلوا" سواءً بسواء، وهذا فيه رد باعتبار أنه جاء بهذا اللفظ وبهذا اللفظ، رد على من يقول: إن قوله: "نهى" قول الصحابي: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" لا يدل على المنع حتى ينقل الصحابي اللفظ النبوي، هذا اللفظ متداول بين الصحابة، ومن تلقاه عنهم من التابعين ينقلونه أحياناً بلفظ: "لا تفعلوا" المضارع المصدر بلا الناهية، أو يعبر عنه بصريح لفظ التحريم ((فأكله حرام)) أو بلفظ: "نهى" من غير فرق، وهذا يدل على ضعف قول من يقول: إننا لا نقبل من الصحابي قوله: أمرنا، أو أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى ينقل لنا اللفظ النبوي، وحجتهم في ذلك أن الصحابي قد يسمع كلام من النبي -عليه الصلاة والسلام- يفهم منه الأمر، ويعبر عنه بأمرنا رسول الله، أو يفهم منه النهي فيعبر عنه بقوله: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وفي الحقيقة أن هذا اللفظ لا يحمل معنى النهي ولا الأمر، لكن هذا الكلام مرفوض، يعني إذا كان الصحابة لا يعرفون مدلولات الألفاظ الشرعية فمن يعرفها بعدهم؟! فأبو هريرة قال نقلاً عنه -عليه الصلاة والسلام-: ((فأكله حرام))