"وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: احتجم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأعطى الذي حجمه أجره، ولو كان حراماً لم يعطه" وهذا دليل على أن مزاولة هذه المهنة حلال وليست حراماً، بدليل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- احتجم، والناس بحاجة إلى الحجام، ولو حرمت الحجامة لما وجد من يحجم الناس، فهذه المهنة مباحة للحاجة إليها؛ ولأن النبي -عليه الصلاة والسلام- احتجم وأعطى الحجام أجره، ويقول الراوي: ولو كان حراماً لم يعطه، وكأن ابن عباس ساق الحديث مستدلاً به على من يحرم الحجامة، أو يحرم كسب الحجام، مستدلاً بالحديث الذي يليه حديث رافع بن خديج -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((كسب الحجام خبيث)) رواه مسلم، وإذا جاء النص بهذا اللفظ فقد جاء قوله -جل وعلا-: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} [(157) سورة الأعراف] فإذا كان كسبه خبيث فالحجامة محرمة، وما يترتب عليها من كسب محرم؛ لأنه خبيث، لكن لا يلزم من وصف الشيء بكونه خبيثاً أن يكون حراماً؛ لأن الخبيث كما يطلق على الحرام يطلق أيضاً على المهن الوضيعة، وعلى الأعيان الدنيئة {وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ} [(267) سورة البقرة] يعني لو كان عندك نوع جيد من الطعام، ونوع أقل رديء، قلنا: إن هذا الرديء خبيث، لكن هل نقول: إن أكله حرام؟ اشتريت كيس من الرز مثلاً، فلما جربه الأهل وطبخوه وجدوه ما يناسبهم، فقالوا: تصدق به، واشترِ لنا أفضل منه، يعني وجد رز يباع معروض بسبعين بثمانين قال: فرصة هذا رخيص نجربه، فلما اشتراه وطبخوا منه قالوا: هذا ما يناسبنا، هذا تصدق به، واشترِ لنا من أبو مائة وخمسين، مائة وأربعين الذي تعودنا عليه {وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ} [(267) سورة البقرة] لو لك رز سلم عند شخص فيأتي لك بمثل هذا الرز وأنت اشترطت عليه من النوع الطيب تقبل وإلا ما تقبل؟ {وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ} [(267) سورة البقرة] تتسامح وتتنازل إما طلباً لما عند الله -جل وعلا-، أو بعد خشية