على مالك، تقول: إن ما أخذت هذا ما هو بجايب غيره، {وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ} [(267) سورة البقرة] فهذا خبيث لأنه رديء لا لأنه محرم، فالخبيث مشترك بين المحرم {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} [(157) سورة الأعراف] وبين الأدنى، فلا شك أن مهنة الحجامة دناءة، والكسب المترتب على الدنيء دنيء فكسبه خبيث، وجاء ما يدل على حله أنه جاء قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((أطعمه ناضحك)) أو ((أطعمه غلامك)) يعني لا تأكله أنت، من هذا الطعام الدنيء، أبحث عن طعام جيد تقيم به نفسك ومن تحت يدك، لكن هذا المال الدنيء ابحث له عما يناسبه من الأدنياء، وعلى هذا الأموال التي فيها الشبهات، أو ما يراد التخلص منه من الأموال الخبيثة يُبحث لها عن المصارف المناسبة، شخص تاب من ربا وعنده ملايين، هل نقول: إن مثل هذا المال يصرف في مصارف البر وأعمال البر؟ نقول: ((إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً)) ومثل هذا لا تجوز الصدقة به، وإنما يتخلص منه، ويبحث له عن المصارف المناسبة، فلو وضع في دورات المياه أو في المجاري وما أشبه ذلك مناسب، وقال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أطعمه ناضحك)) ولو كان حراماً لأمره بإتلافه، ولم يأمر بإعلافه النواضح، فالحجامة جائزة لا إشكال فيها، وما ترتب عليها من أجرة جائز إلا أنه ليس بطعام مناسب للأحرار، لعلية القوم، يناسب لسفلة الناس وأرذالهم وأدنيائهم، ويطعم النواضح ويطعم الرقيق لا بأس، وليس بحرام، وعلى هذا على الإنسان أن يترفع عن مثل هذه الأعمال، وإن وجدت بين الناس فالأدلة تدل على أن هذا مما ينبغي أن يتعاون فيه الناس بعضهم مع بعض من دون أخذ أجرة، ولذا وصف الكسب المرتب عليها بالخبث؛ لكي تسود بين الناس روح التعاون، وأن مثل هذا يتداوله الناس فيما يبنهم من غير مشاحنة ولا مشاحة، ولا أخذ أجرة.
وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((قال الله -عز وجل-: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حراً فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فأستوفى منه ولم يعطه أجره)) رواه مسلم.