ثم ذكر علة النهي عن بيع الحاضر للبادي، يقول: اختلف الفقهاء في علة هذا النهي، فمذهب الجمهور بناءً على التفسير الأول: أن المعنى في النهي عن ذلك هو ما يؤدي إليه هذا البيع من الإضرار بهذا البلد، والتضييق على الناس، والقصد أن يبيعوا للناس برخص.
يعني إذا نظرنا إلى الحديث بجميع جمله: النهي عن تلقي الركبان، فلا يجوز للشخص أن يتلقى الركبان فيشتري منهم برخص قبل أن يعرفوا السعر، وعندنا طرفان مشتري وبائع، المسألة مفترضة في مشتري فرد، وبائع فرد، وليست حينئذٍ مصلحة المشتري بأولى من مصلحة البائع، نعم، فتلاحظ مصلحة البائع؛ لأنه هو الذي يجهل السعر، أما المشتري يعرف السعر، فتلاحظ مصلحته -أعني البائع-، المشتري لن يشتري السلعة بأكثر من قيمتها، لكنه يتوقع أن يشتري السلعة بأقل من قيمتها فيتضرر البائع، فمصلحة فرد في مقابل فرد لا ترجح مصلحة أحدهما على الآخر، فتلاحظ مصلحة البائع؛ لأنه هو الذي يجهل السعر.
إذا نظرنا إلى مصلحة الفرد في مقابل مصلحة الجماعة، قُدمت مصلحة الجماعة، وهذا ما يدل عليه الجملة الثانية في الجملة: ((ولا يبع حاضر لباد، دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض)) يعني اترك هذا الأعرابي الذي السلعة هذه ما كلفته شيء يذكر؛ لأنه هو الذي أنتجها، وهو الذي استخرجها، وهو الذي صنعها، نعم ما راح يشتريها بمبلغ كبير، ثم اشتريت منه بمبلغ ضعيف فيتضرر، يترك فرصة لهؤلاء الذين يبيعون على الناس في الأسواق ليرتزقوا، ((دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض)) فيعم الرخص بهذه الطريقة، لكن لو تولى الحاضر البيع للبادي ما ترك فرصة لأهل السوق ولا للمستهلكين، هذا هو الملحوظ في الحديث، لكن هناك أدلة أخرى مثل أدلة الوكالة، لو جاء حاضر بادي ووكل حاضر ببيع السلعة، ماذا نقول؟ نقول: فعله معارض بهذا الحديث الصحيح الصريح، وقد تكون المعارضة بالأدلة الأخرى من جواز الوكالة وغيرها صارفاً للنهي من التحريم إلى الكراهة.
يقول: لما في ذلك من الإضرار بأهل البلد، والتضييق على الناس، والقصد أن يبيعوا للناس برخص.