قال ابن القاسم: "لم يختلف أهل العلم في أن النهي عن بيع الحاضر للبادي إنما هو لنفع الحاضرة؛ لأنه ما ترك البدوي يبيع سلعته اشتراها الناس برخص، ويوسع عليهم السعر، فإذا تولى الحاضر بيعها ... ، شوف الآن البادي يبيع على الحاضر في السوق برخص، والحاضر بدوره يبيع على المستهلك، فيتجه إليه أمر أخر، وهو أنه لا يجوز له أن يحتكر هذه السلعة حتى يرتفع السعر، فترخص الأسعار على المسلمين عموماً، ويستفيد البائع والشاري والمستهلك.
فإذا تولى الحاضر بيعها وامتنع من بيعها إلا بسعر البلد ضاق على أهل البلد، وقد أشار النبي –صلى الله عليه وسلم- في تعليله إلى هذا المعنى.
ومذهب بعض الحنفية كصاحب الهداية والكساني، وكذلك غيرهما فيما يبدو بناء على التفسير الثاني، أن المعنى في النهي عن ذلك وهو الإضرار بأهل المصر -يعني أهل الاستهلاك-، من جهة أخرى غير الرخص، وهي أن يكون أهل البلد في حال قحطٍ وعوز إلى الطعام والعلف فلا يبيعهما الحضري مع ذلك إلا لأهل البدو بثمن غالٍ، عوز إلى الطعام والعلف، يعني ننظر إلى ما يعبر به العلماء، أو ما يعبر عنه أهل العلم بالقوتين، قوت الآدميين، وقوت الحيوان.
هذا الذي يتجه فيه الأمر، الحوائج التي يحتاجها الإنسان ويحتاجها الحيوان، ويتضرر بارتفاع سعرها، وهي التي نهي فيها عن الاحتكار، لكن الكماليات لو شخص عنده مستودع تحف، وقال: أنا ما أنا ببايع هذه السنة هذه التحف حتى تنقطع من السوق وأرفع ثمنها، قلنا: افعل، الناس ما هم بحاجة إلى تحف، أو مناظر طبيعية أو غيرها، لكن قوت، الناس يموتون جوع ويتضررون بالاحتكار، هذا الذي يأتي فيه المنع، وهو الذي يرد فيه نهي بيع الحاضر للبادي في هذه النصوص.