الأمر الثاني: أن البيع عينه ياء، والباع عينه واو، فاختلف الأصل والفرع في أصل من أصوله، فلا يتسنى الاشتقاق، على كل حال إذا كانت المسألة مسألة نقل، وليست مسألة اشتقاق، فالمسألة فيها سعة، أما الاشتقاق على طريقتهم فلا؛ لأن البيع أصل؛ لأنه مصدر يشتق منه ولا يشتق هو من غيره، جُمع البيع -وإن كان المصدر ينطبق على الواحد والاثنين والثلاثة كما تقدم في المياه جمعت لتعدد أنواعها-، وهنا البيع إنما جمع لاختلاف أنواعه، والبيع عرفوه بألفاظ متقاربة، وتعريفه قد يزيده غموضاً؛ لأن الأمور الواضحة التي يعرفها الناس كلهم تعريفها بالحدود الاصطلاحية التي تطبق عليها قوانين المتكلمين تزيدها غموضاً، من الناس من لا يعرف البيع والشراء، وما يتم به البيع والشراء، أمور يزاولونها، على كل حال قالوا في تعريفه: أنه مبادلة مالٍ بمال، يعني سواء كان حاضراً أو في الذمة كله بيع، أو منفعة، ولو لم تكن عيناً بأن كانت منفعة، المنفعة لا بد أن تكون مباحة، والعين لا بد أيضاً أن تكون مباحة النفع بلا حاجة، ولذا جاء في الباب الأول: باب شروطه، شروط البيع منها ما يرجع إلى العاقد، ومنها ما يرجع إلى السلعة، مما يعود إلى العاقد ويرجع إليه التراضي بين المتعاقدين، إنما البيع عن تراضي {إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ} [(29) سورة النساء] فالتراضي لا بد منه، ومنها: أن يكون العاقد جائز التصرف، وأن يكون مالكاً للسلعة، أو مأذون له في بيعها، والتصرف فيها، وأن تكون السلعة أيضاً مباحة النفع بلا حاجة، كيف مباحة النفع بلا حاجة؟ تكون السلعة مقدوراً على تسليمها، مباحة النفع بلا حاجة، يعني لولا الحاجة لم يبح نفعها، فهل يجوز بيعها، إذا كان أباحة نفعها للحاجة لا مطلقاً، فهل يجوز بيعها أو لا؟ الذي يطلق ويقول: إن تكون العين مباحة النفع، ولا يقيد بارتباط هذا النفع بالحاجة، هذا يقول: كل ما ينتفع به يجوز بيعه، والذي يقيد من غير حاجة أو بلا حاجة، يقول: ينظر في السلعة إذا كانت مباحة النفع مطلقاً تباع، إذا كان نفعها للحاجة فلا يجوز بيعها كالكلب، كلب الصيد مثلاً يجوز بيعه وإلا ما يجوز؟ الذي يطلق يقول: مباح النفع ما المانع من بيعه؟ وقل مثل هذا