هنا مسألة يختارها بعض المتأخرين ممن لا سلف له، وهي أن المسافر يتيمم ولو كان الماء بجواره، ولا سلف لهذا القائل، هذا منقول عن بعض المعاصرين، ويستدل بآية الوضوء، آية المائدة: {وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء} [(6) سورة المائدة] يقول: لم تجدوا ماءً هذا خاص بالحكم الأخير، ولا يتناول الحكم الأول والثاني {وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [(6) سورة المائدة] هذا لا يحتاج إلى أن يجد ماء أو لا يجد ماء {فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء} هذا القيد خاص بالحكم الأخير، لكنه -أعني هذا القائل- لا سلف له، لم يقل بهذا أحد من أهل العلم ممن تقدم، بل نقل الإجماع على أن واجد الماء القادر على استعماله لا بد أن يمسه بشرته، لا بد أن يتوضأ مقيماً كان أو مسافراً، صحيحاً كان أو سقيماً، إذا كان واجد للماء قادر على استعماله لا يعفى من الوضوء، لكن إذا كان عادم للماء حقيقة أو حكماً، قد يكون الماء بينه وبينه متر، لكنه في بئر وليس عنده من الأسباب ما يستطيع استنباط الماء من هذا البئر، قد يكون الماء قريب، لكنه في سفر ويخشى على نفسه من السباع، مثل هذا يعذر وإلا ما يعذر؟ يعذر إذا كان غلبة ظن، لكن إذا كان مجرد وهم؛ لأن بعض الناس يخاف من الظلام ولو لم يكن هناك سباع، لا يستطيع أن يخرج من الخيمة أو من البيت في الظلام، الماء ثلاثة أمتار على الخيمة، وهذا يخاف خوف شديد، خوف وهمي، إيش نقول له: تيمم أو لا تتيمم؟ يلزمه الوضوء، نعم في قول الأكثر يلزمه الوضوء، ما لم يكن المخوف غلبة ظن يلزمه الوضوء، لكن إذا كان لا وجود له، أو وهم أو شك فإنه يلزمه أن يتوضأ.
من أهل العلم من يستروح إلى أنه في مثل هذه الحالة يسوغ له أن يتيمم، وكم من وهم عند بعض الناس أشد من غلبة الظن عند آخرين، يعني وهم مجرد صوت الريح عند بعض الناس أشد من زئير الأسد بالنسبة لآخرين، فمثل هذا لو كلف أن يخرج ليتوضأ يمكن يجن، احتمال، ولو لم يكن هناك شيء، فبعضهم يرى أن هذا الخوف مبرر لأن يتيمم.