تركيب مذهب الاتحادية من سلب الجهمية ومجملات الصوفية والزندقة الفلسفية

يقول رحمه الله تعالى: [فصل مذهب هؤلاء الاتحادية كـ ابن عربي وابن سبعين والقونوي والتلمساني مركب من ثلاثة مواد] المقصود أصول هؤلاء الفلاسفة تقوم على ثلاثة أصول كلها باطلة: أولاً: [سلب الجهمية وتعطيلهم].

سلب الجهمية تصريح بنفي الذات والأسماء والصفات لله عز وجل، والأفعال، والنفي المطلق لذات الله وأسمائه وصفاته وأفعاله من ضرورياته الإلحاد المطلق؛ لأن الذي ليس له وجود ولا أسماء ولا صفات ولا أفعال هذا إنما هو وهم في الأذهان لا حقيقة له، وكل حقيقة لا بد أن تقبل الوصف، بل كل موجود لا بد أن يقبل الصفات، ولو لم يأت بالوصف الموجود إلا صفة الوجود لكانت هذه كافية بأن تثبت لله صفة واسماً، لكنهم مع ذلك أنكروا جميع ذلك.

إذاً: (سلب الجهمية وتعطيلهم) أي: إنكارهم وإلحادهم أدى إلى فتح الباب لهذه المقالات الإلحادية التي قال بها ابن عربي وابن سبعين والقونوي والتلمساني والسهروردي المقتول ومن سلك سبيلهم.

ثانياً: [مجملات الصوفية] أي: تعبيرهم بالتعبيرات الفضفاضة المجملة التي تحتمل الحق والباطل، تحتمل إلحاداً ويقلبونها إلى الحق بزعمهم.

[مجملات الصوفية: وهو ما يوجد في كلام بعضهم من الكلمات المجملة المتشابهة، كما ضلت النصارى بمثل ذلك فيما يروونه عن المسيح، فيتبعون المتشابه ويتركون المحكم، وأيضاً كلمات المغلوبين على عقلهم الذين تكلموا في حال السكر] وهذه في الحقيقة تحتاج إلى وقفة في وقتها إن شاء الله، عندما نصل إلى الكلام عن العباد الأوائل الذين ارتكزت عليهم الصوفية، ومن خلال تتبع بعض مذاهب العبّاد في القرن الثاني والثالث قبل أن تسمى هذه المذاهب صوفية، نجد أن هؤلاء العبّاد المتهمون في عقيدتهم تظهر على ألسنتهم عبارات إلحادية مقننة، ترجع إلى مذاهب إلحادية، وليست عبارات ساذجة، فهذه هي التي سماها الشيخ: كلمات المغلوبين على عقلهم؛ لأنه عندما ذكر إلحادياتهم قال: لعلهم قالوا ذلك بسبب كثرة الجوع والسهر حتى أصابهم خلل في العقول، ومعروف أن الإنسان إذا قتر على نفسه في الأكل والشرب ثم سهر كثيراً، فإنه يصاب بشيء مما نسميه في عصرنا الهستريا، فهي تؤدي إلى أن الإنسان أحياناً يخبط في الكلام بما لا يعلم، ويتخيل أشياء، ويكون عنده نوع من الخروج عما تقتضيه العقول، فهؤلاء القوم أثناء وقوعهم في هذه الحالة الهسترة تحصل منهم أفعال وأقوال إلحادية كفرية، فهذه التصرفات والأقوال الإلحادية الكفرية، بعض أهل العلم ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية حملها على أنهم أتوا بها بسبب الخلل في عقولهم وبسبب الحالات العارضة، وأنهم غير محاسبين، وآخرون من السلف قالوا: لا، هؤلاء لو قالوا مجرد كلمات مثل هذيان الناس لقلنا ربما نعذرهم، لكنهم أتوا بكلمات إلحادية مقننة، ولو قلنا: إنها من اللا شعور كما يقولون، فكيف جاءت؟ فالإنسان إذا هذى لا يهذي إلا بما يعلم أو بأمور لا تنطبق، ما تحمل قواعد ولا تحمل أصولاً فلسفية، مثل قول رابعة العدوية: والله لا أعبدك حباً لجنتك، ولا خوفاً من نارك.

فهذه فلسفة ليست مجرد أنها أصيبت بالهستريا.

كذلك قول أحدهم: لماذا تخافون من النار؟ ما هو إلا أن أضع عليها خيمتي فتنطفئ هذه فلسفة ليست مجرد كلمة ثابتة.

كذلك قول أحدهم عن نفسه: سبحاني ما أجل شأني.

يقصد نفسه.

ثم ذكر بعد ذلك المقطع الثالث قال: [ومن الزندقة الفلسفية التي هي أصل التجهم].

ذكر سلب الجهمية والتعطيل، ثم مجملات الصوفية، ثم الزندقة الفلسفية، يعني: ما أخذ على الفلاسفة، قال: [التي هي أصل التجهم، وكلامهم في الوجود المطلق والعقول والنفوس والوحي والنبوة والوجوب والإمكان وما في ذلك من حق وباطل].

وقد اختلطت هذه الزندقة الفلسفية في كثير من أصول المتكلمين، حتى متكلمة الأشاعرة والماتريدية، حينما تكلموا عن العقول والنفوس والوحي والوجود والإمكان خبطوا وخلطوا، وجاءوا بما يخالف أهل السنة والجماعة.

ثم قال رحمه الله تعالى: [فهذه المادة أغلب على ابن سبعين والقونوي، والثانية أغلب على ابن عربي] يعني: مجملات الصوفية أغلب على ابن عربي، والزندقة الفلسفية هي الأغلب على ابن سبعين والقونوي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015