قال رحمه الله تعالى: [ولم يقل أحد: إن التوسل بنبي هو استغاثة به، بل العامة الذين يتوسلون في أدعيتهم بأمور كقول أحدهم: أتوسل إليك بحق الشيخ فلان، أو بحرمته، أو أتوسل إليك باللوح والقلم، أو بالكعبة أو غير ذلك مما يقولونه في أدعيتهم، يعلمون أنهم لا يستغيثون بهذه الأمور، فإن المستغيث بالنبي صلى الله عليه وسلم طالب منه وسائل له، والمتوسل به لا يدعى ولا يطلب منه ولا يسأل، وإنما يطلب به، وكل أحد يفرق بين المدعو والمدعو به].
قوله: (وإنما يطلب به)، أي: يطلب من الله عز وجل أن يستجيب دعاءه في ذلك المطلوب، وهذا وجه مشروع، وعلى هذا فإنه لم يرد دليل من الشرع، أو أن أحداً من أهل العلم أجاز الاستغاثة بالمخلوق، لا بنبي ولا بصالح ولا غيره، وأن هذا النوع -أي: الاستغاثة بالمخلوق- داخل في عموم الشركيات، وأنه داخل دخولاً أولياً في نوع من أنواع شرك المشركين الذين ذكرهم الله عز وجل في كتابه بقولهم في شبهتهم: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:3]، فكلمة: (ما نعبدهم) عامة يدرج تحتها التوسل والدعاء والتعظيم والتقديس، كما يندرج تحتها ادعاء أن هؤلاء لهم تصريف فيما لا يقدر عليه إلا الله؛ وكل ذلك لأن العبادة معناها واسع، وأول العبادة هو الدعاء الذي هو محل الإشكال، ولذلك العرب الأوائل الذين تنزل عليهم القرآن فقهوا معنى هذه الآية، ولم يضيع معناها إلا بعد القرون الثلاثة الفاضلة، وذلك حينما كثرت العجمة وقل فقه الناس بالعربية، وحتى العرب ضعف فقههم العربي، وإلا فالآية صريحة في اتخاذ الوسائط والوسائل وما عليه المبتدعون في قوله عز وجل عن طائفة من المشركين بأنهم قالوا: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:3]، فجعلوا الغاية التقرب إلى الله، لكنهم أشركوا باتخاذهم هذه الوسائط، والآية صريحة، فهي تضم كل نوع من أنواع اتخاذ الوسائط أياً كان هذا التبرير.