بدأ شيخ الإسلام رحمه الله في الجواب عن هذا السؤال، فجمع هذه القضايا أو الصور الأربع عشرة في أصول فند بعضها مع بعض، كما نجد أن بعض المسائل -ثلاث أو أربع مسائل- جوابها واحد، وبعض المسائل قد فصل في جوابها على أكثر من وجه، لأن السؤال في الحقيقة فيه خلط، وقد اجتمع الخلط فيه من وجهين: الوجه الأول: من جهة السائل، فقد كان يظهر أنه من أهل الحق، فيذكر مداخلاته على السؤال، وهذا مما جعل السؤال متشتتاً.
الوجه الثاني: أنه قد جمع شبهات المبتدعة وهي متفرقة ومتفاوتة، وليس بينها نظام ينظمها؛ ولذلك جاء السؤال من أشتات مسائل متفرقة ومن مداخلات السائل؛ لأن السائل نفسه يظهر أن عنده شيئاً من الفقه في الدين، بدليل أنه كان يوجه أحياناً الأسئلة ويجب عليها ضمناً.
فالشيخ رحمه الله وضع قواعد تنظم جميع الأمور السابقة بصرف النظر عن مفرداتها، كما أنه قد أجاب على بعض رءوس المسائل، وأدخل البعض الآخر في هذه الرءوس.
قال رحمه الله تعالى: [
صلى الله عليه وسلم الحمد لله رب العالمين.
لم يقل أحد من علماء المسلمين: إنه يستغاث بشيء من المخلوقات في كل ما يستغاث فيه بالله تعالى، لا بنبي ولا بملك ولا بصالح ولا غير ذلك].
هذا في الحقيقة جواب مجمل محكم، وقاعدة عامة لا يجوز الاستثناء منها إلا بدليل، وسيذكر الاستثناء منها على سبيل التجوز، فيسمى توسلاً، وهو ما حدث من توسل الأعمى بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك توسل الصحابة بدعاء العباس والأسود بن يزيد رضي الله عنهما، وهو توسل بدعائهم جزماً؛ لأن القصة حدثت على هذا الوجه.
فالشيخ قعد هذه القاعدة، ولا يستثنى منها إلا صوراً تسمى توسلاً تجوزاً، أو بشرط مفهومها المعلوم بالضرورة؛ لأنها واقعة حدثت وفسرت بنوع معين من التوسل.
قال رحمه الله تعالى: [بل هذا مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام أنه لا يجوز إطلاقه.
ولم يقل أحد: إن التوسل بنبي هو استغاثة به، بل العامة الذين يتوسلون في أدعيتهم بأمور كقول أحدهم: أتوسل إليك بحق الشيخ فلان].
جواب الشيخ تضمن عدة مسائل: المسألة الأولى: قوله: (لم يقل أحد من علماء المسلمين)، فهذه القاعدة العامة الأولى.
القاعدة الثانية: قوله: (بل هذا مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام).
أي: أنه لا يستغاث بأحد من المخلوقين فيما لا يستغاث به إلا الله، فجعل ذلك من المعلوم بالضرورة، وليس الأمر فقط اتفق عليه العلماء، وبهذا يكون قد نفى أن يقول أحد من علماء المسلمين المعتبرين بهذا القول.