الفرق بين الأحوال الرحمانية لأهل الحق والأحوال الشيطانية لأهل البدع

قال رحمه الله تعالى: [ومن هؤلاء: من يحمله الشيطان إلى عرفات فيقف مع الناس، ثم يحمله فيرده إلى مدينته تلك الليلة، ويظن هذا الجاهل أن هذا من أولياء الله، ولا يعرف أنه يجب عليه أن يتوب من هذا، وإن اعتقد أن هذا طاعة وقربة إليه، فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل؛ لأن الحج الذي أمر الله به ورسوله لابد فيه من الإحرام، والوقوف بعرفة، ولابد فيه من أن يطوف بعد ذلك طواف الإفاضة، فإنه ركن لا يتم الحج إلا به، بل عليه أن يقف بمزدلفة، ويرمي الجمار ويطوف للوداع، وعليه اجتناب المحظورات والإحرام من الميقات إلى غير ذلك من واجبات الحج، وهؤلاء الضالون الذين يضلهم الشيطان يحملهم في الهواء، ويحمل أحدهم بثيابه، فيقف بعرفة ويرجع من تلك الليلة، حتى يرى في اليوم الواحد ببلده ويرى بعرفة.

ومنهم من يتصور الشيطان بصورته ويقف بعرفة، فيراه من يعرفه واقفاً، فيظن أنه ذلك الرجل وقف بعرفة! فإذا قال له ذلك الشيخ: أنا لم أذهب العام إلى عرفة، ظن أنه ملك خلق على صورة ذلك الشيخ، وإنما هو شيطان تمثل على صورته، ومثل هذا وأمثاله يقع كثيراً، وهي أحوال شيطانية، قال تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف:36]، وذكر الرحمن هو الذكر الذي أنزله على نبيه صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9]، وقال تعالى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى} [طه:123] إلى قوله: {قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى} [طه:126]، ونسيانها هو ترك الإيمان والعمل بها، وإن حفظ حروفها، قال ابن عباس رضي الله عنهما: تكفل الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه ألا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة.

وقرأ هذه الآية.

فمن اتبع ما بعث الله به رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم من الكتاب والحكمة هداه الله وأسعده، ومن أعرض عن ذلك ضل وشقي، وأضله الشيطان وأشقاه.

فالأحوال الرحمانية وكرامات أوليائه المتقين يكون سببه الإيمان، فإن هذه حال أوليائه، قال تعالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس:62 - 63]، وتكون نعمة لله على عبده المؤمن في دينه ودنياه، فتكون الحجة في الدين والحاجة في الدنيا للمؤمنين، مثلما كانت معجزات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، كانت الحجة في الدين والحاجة للمسلمين، مثل: البركة التي تحصل في الطعام والشراب، كنبع الماء من بين أصابعه، ومثل: نزول المطر بالاستسقاء، ومثل قهر الكفار وشفاء المريض بالدعاء، ومثل: الأخبار الصادقة والنافعة بما غاب عن الحاضرين، وأخبار الأنبياء لا تكذب قط.

وأما أصحاب الأحوال الشيطانية، فهم من جنس الكهان يكذبون تارة ويصدقون أخرى، ولابد في أعمالهم من مخالفة للأمر، قال تعالى: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} [الشعراء:221 - 222] الآيتين].

في الحقيقة إن من الأمور التي ينبغي التفريق بينها ما يحدث لكثير من أهل البدع من الخوارق، وما يحدث من كرامات لأهل الحق والولاية الشرعية، ولا شك أن هناك فرقاً كبيراً بينهما، فالكرامة لا تحصل إلا من مستقيم على السنة، وقد تحدث من مقصر، لكن لا تحدث في تأييد بدعته أو في تأييد معصيته، وإنما قد تحدث له عند الضرورة، أو عندما يلجأ إلى الله عز وجل في أمر يتعلق بمصالح الأمة أو بنصر الدين، فهو وإن كان فاسقاً أو فاجراً قد تحدث له من الكرامة في سبيل نصرة الحق أو في سبيل كشف كربته أو ضرورته، لكن لا يمكن أن تحدث الكرامة في نصر البدعة أو نصر المبتدع، بل ولا تحدث الكرامة على يد المبتدع فيما يتعلق بتأييد الحق، ثم إن الكرامة أيضاً في الغالب تكون مؤيدة للشرع، بمعنى: أن نتيجتها لابد أن توافق الدليل الشرعي، سواء كانت النتيجة قولية أو عملية أو في أحكام أو في غيرها، فيستفيد منها المسلم أو يستفيد منها المسلمون.

ثم إن الكرامة في الغالب أنها تحدث بغير قصد لها أو تعمد لها، فهي تحدث إكراماً من الله عز وجل للعبد، كأن يلجأ إلى الله عز وجل، أو يحدث منه ما يرضي الله عز وجل من العبادة الصادقة ونحو ذلك عن غير طلب لها، فإن طلبها فقد تحدث له مرة، لكن إن تكررت فالغالب أنها تكون ابتلاء وتنقلب من كونها كرامة إلى كونها مخرقة، وقد ابتلي كثير من العباد الصالحين الذين يعبدون الله على جهل بالبدع؛ بسبب ما يقع لهم من الكرامات الدائمة، لذلك فإنه قد تحدث لبعضهم كرامات قد تكون فعلاً موجبها أموراً قلبية صحيحة، وأحوالاً قلبية صحيحة في أول الأمر، لكنه لجهله يغتر فيقع في طلب الكرامة والإلحاح عليها، فيستدرج إلى البدعة بالكرامة، فتنقلب الحال من كرامة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015