المسألة الأخرى: وهي المتعلقة بهذا الموضوع، وتقرر قاعدة من عرفها استطاع أن يقيم الحجة -حتى وإن لم يكن عالماً- على كثير من أهل البدع، وهي مسألة أيضاً كثيراً ما يقع فيها أو يحار فيها بعض طلاب العلم الصغار، وبعض الناشئين، وبعض العوام خاصة إذا واجهوا أهل البدع، فيحرجونهم أو يوقعونهم في الشك، فيقولون لهم: هذا العمل خير، وأنتم ضد الخير! أو يقولون: هذا العمل من جنس الأعمال المشروعة! ولنضرب مثلاً: ما يحدث من كثير من أهل البدع في هذا الشهر، أعني: شهر رجب، فإنهم يعملون فيه أعمالاً ما أنزل الله بها من سلطان، كالاحتفال بليلة الإسراء والمعراج، ويزعمون أنها في العشر الأواخر من شهر رجب، ومنهم من يخص هذا الشهر كله بالصيام، ويقول: إنه أفضل من شهر رمضان أو مثله أو دونه، لكنهم يخصونه بصوم من أوله إلى آخره، ومنهم من يعمل أعمالاً أخرى يظن أن لها مزية في هذا الشهر، ولا شك أن هذا الشهر من الأشهر الحرم، وقد يكون له شيء من الفضل عند الله عز وجل، لكن لم يتحدد فضل معين، وعلى هذا لم يشرع العمل فيه بشيء معين محدد.
ولذا أقول: من ابتلي بمثل هذه الأمور، أو رأى مثل أصحاب البدع هؤلاء، وقالوا له مثل هذا القول المجمل الملبس، بأن يقولوا له: هذا عمل خير، وهل أنت ضد الخير؟ أو هذا شهر فاضل، ونحن نعمل العمل الفاضل في الشهر الفاضل، فعليه أن يلجأ إلى هذه القاعدة حتى ولو لم يدخل في التفاصيل، وليقل: إن الدين مبناه على الشرع، أي: على ما شرعه الله وشرعه رسوله صلى الله عليه وسلم، وكل عبادة وكل أمر من أمور الدين لا يجوز العمل به إلا بدليل، لاسيما إذا خالف ما عليه أهل الحق، بخلاف الأعمال المستفيضة والمشهورة بين المسلمين، مما أجمع عليها المسلمون، مثل: إقامة الصلوات الخمس، فهذه تحتاج إلى دليل عند العامي أو نحوه؟! لكن الأمور المحدثة الغريبة التي تطرأ من بعض الناس، أو من بعض أهل البدع، فلا يجوز أن نناقشها أو نجادل فيها، بل يقول لصاحب البدعة: عليك الدليل؛ لأن الله لا يُعبد إلا بما شرعه الرسول صلى الله عليه وسلم، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، و (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) وغير ذلك من النصوص التي يعرفها عامة طلاب العلم، بل حتى العوام يعرفونها، فيقول للمبتدع: أنت الذي يجب عليك الدليل؛ لأن الأصل خلاف ما أنت عليه، وهذا أمر لا نعرفه وفي نفس الوقت ننكره، فإن أتى بدليل صحيح، وكان استدلاله على وجه سليم فهو محق، وإن كان استدلاله على وجه سليم، لكن لم يأت بدليل فتقوم عليه الحجة، لذلك ينبغي أن يلقن الناس مثل هذه الأمور لاسيما مع كثرة دعاة البدعة الآن.
وكذلك يحسن بطلاب العلم أن يلقنوا الشباب وطلاب العلم والعوام هذه الأمور المجملة العامة التي يسلمون بها، وكم من مواقف نجد فيها من طلاب العلم ومن شباب أهل السنة ومن عوام الناس من يقعون في ربكة وشك في دينهم؛ بسبب قوة صاحب البدعة واستعداده للحوار، وعدم وجود الأصل عند صاحب السنة.
لذا فأقول: ينبغي أن نعلم الناس مثل هذه الأصول العامة، وهو أنه لا يُعبد الله إلا بما شرعه الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن كل من أحدث شيئاً لم يكن يعرف عند أهل الحق والسنة فعليه بالدليل، وإلا فهو مبطل متقول على الدين.
إذاً: فهذه قواعد من عرفها استطاع بإذن الله أن يقيم الحجة ولو لم يكن عالماً، لكن بإجمال، ولا يدخل في المراء والجدال؛ لأن الجدال مهلك.