التعصب في باب العقائد

فيما يتعلق بالتعصب المنظم في العقائد كانت بدايته على يد الخوارج والشيعة، فهما أول طائفتين نظمتا مبدأ الاختصاص العقدي عن سواد المسلمين، ثم ظهرت الطوائف والمدارس المختصة عن أهل السنة والجماعة، أو عن سواد المسلمين وأئمتهم وعلمائهم على يد القدرية والمرجئة والجبرية والجهمية، ثم جاءت فيما بعد موجة ما يسمى في باب العقائد بمدارس متكلمة أهل الإثبات، أو مدارس متكلمة الصفاتية، وهي جيل من المدارس العقدية أخف بكثير من المدارس العقدية الغالية الأولى، وهي جيل مدرسة ابن كلاب، ومدرسة أبي منصور الماتريدي، ومدرسة أبي الحسن الأشعري.

وإنما قلنا: إنها أخف بكثير؛ لأن شعار أهل البدع المغلظة كما يذكر ابن تيمية ترك الانتساب للسنة والجماعة، كالجهمية، والمعتزلة والخوارج، فما كانوا ينتسبون للسنة والجماعة، فهؤلاء أهل البدع المغلظة.

ثم ظهر جيل من المدارس فيما بعد أخذوا جملاً من جمل السلف، وانتسبوا إليهم، وعظموا أصول السنة العامة، ولكن دخلت عليهم إما أصول كلامية وإما غير ذلك، وإما مجموع من هذا وهذا.

فالمقصود أن هؤلاء هي المدارس العقدية المختصة، وأعني بكلمة (المختصة) أي أنها تختص برجل ينتهي سند المدرسة إليه.

ولكن أصحاب الجيل الثاني من المدارس ينتسبون لأهل السنة والجماعة، وهذا لا يعني أن الجيل الثاني تاريخياً جميعه ينتسب للسنة والجماعة؛ فإن بعض المدارس الغالية في العقائد لم تظهر إلا في التاريخ الثاني من الإسلام، والذي هو بعد عصر القرون الثلاثة الفاضلة، وهي بعض مدارس المتفلسفة والباطنية، وهؤلاء كانوا غلاة، بل أكثر من غلو جمهور من تقدمهم، وهم مع ذلك لا ينتسبون للسنة والجماعة.

إذاً: المدارس العقدية انقسمت إلى قسمين:

الأولى: أصحابها لا ينتسبون للسنة والجماعة، وهؤلاء من يسميهم ابن تيمية بأهل البدع المغلظة.

الثانية: أصحابها ينتسبون للسنة والجماعة، ويوافقون أهل السنة وأئمة السنة في مسائل وبعض الأصول، ولكنهم يختلفون معهم في حقائق بينة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015