خطأ امتحان الناس بمصطلحات معينة

أحياناً يمتحن الناس بمصطلح معين هل يقولون به أو لا يقولون به؟ فبعض الناس لا يرى أن يقول به؛ لأنه يرى أن فيه إجمالاً، ويريد أن يعبر بكلمة أكثر تفصيلاً، أو بكلمة جاءت في القرآن، أو في كلام النبي صلى الله عليه وسلم.

فالمقصود هنا: كما أنه يذم امتحان الناس بالانتساب إلى أسماء معينة، فيعاب امتحان الناس بالاعتداد بكلمات أو عدم الاعتداد بها، أو بالتزامها أو عدم التزامها.

فإن التعبير واسع، واللغة واسعة، فقد يأتي بعض الشيوخ وبعض طلبة العلم باصطلاح معين في تقرير وجه من الأصول أو من السنة أو ما إلى ذلك، فلا ينبغي أن يكون هذا الاصطلاح -حتى لو كان صحيحاً- أن يكون شعاراً ملزماً يفرق به بين صاحب السنة ومن ليس كذلك، ففرق بين قولك: إنه يستعمل، فهذا لا بأس به، وفرق بين قولك: إنه استعمال مشروع، فهذا أيضاً يتوسع فيه، وفرق بين قولك: إنه من ترك ما يتضمنه هذا المعنى فإنه ينكر عليه، فإن بعض الناس قد يوافق المعنى، لكنه لا ينسجم مع هذا الاصطلاح.

وهذا الفقه نجده في كلام أئمة السلف فإننا نجد جواباتهم متنوعة، فمنهم من يقول: السنة هدي الصحابة، فهل نقول: إن في كلامه نظراً؛ لأنه لم يقل: الكتاب والسنة وهدي الصحابة؟

الإمام أحمد يقول: "لا يتجاوز القرآن والحديث" فلم يذكر كلام الصحابة في هذه اللفظة.

وبعضهم يذكر القرآن ولا يذكر السنة، {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ} [آل عمران:103]

وهكذا.

فعندما يكون الذين يستعملون هذه الكلمات يتواردون على مقصود واحد، ومعنى واحد فهذا مما يوسع فيه.

لكن يكون الأمر مشكلاً حينما يقول القائل: القرآن، ويقف؛ لأنه لا يسلم بحجية السنة، فهذا لا يقال عنه: إنه استعمل كلمة استعملها الزهري من قبل؛ لأن هذا يختلف، فإننا إذا رجعنا إلى التضمن تحت كلمة الزهري وجدنا أن مقصوده بالقرآن ما جاء به القرآن، ومما جاء به القرآن اتباع النبي، ومما جاء به القرآن اتباع سبيل السابقين الأولين، فهذه كلمة جامعة.

وعليه: فوضع كلمات معينة كشعار منزل هي المعبرة عن منهج أهل السنة فقط، هذا ليس منهجاً صحيحاً، بل كل استعمال استعمله السلف فإنه يسوغ استعماله: كالكتاب والسنة والإجماع ..

التمسك بالسنة ..

التمسك بالأثر ..

التمسك بالقرآن ..

وهكذا.

أما من يكون عنده لحن في القول، وحينما يذكر القرآن يقصد بذلك: ترك فرضية السنة، أو حينما يقول: السنة ولا يقول: هدي الصحابة؛ وهو يشير بذلك إلى عدم الاعتداد بهدي الصحابة وفقههم فهذا باب آخر.

أما داخل منهج أهل السنة العام، ففرق بين القيود البيانية والقيود الشرعية اللازمة؛ فمثلاً: سهل بن عبد الله التستري لما قيل له: ما الإيمان؟ قال: الإيمان قول وعمل ونية واتباع للسنة، فقيل له في ذلك، فقال: إذا لم يكن على السنة فهو بدعة.

فهذا كلام صحيح، لكن كلمة (اتباع للسنة)، هل يلزم كل إمام قال: الإيمان قول وعمل ونية أن يقول: واتباع للسنة؟ الجواب: لا؛ لأن من يقول: الإيمان قول وعمل، لا يقصد دخول الأقوال البدعية.

فما دام أن المتكلم إمام من أهل السنة والجماعة، ويتكلم عن الإيمان في الكتاب والسنة، وهذا واضح من السياق، فاجعل هذا -إن صح التعبير على أقل تقدير- اجعله من باب: وحذف ما يعلم جائز، فإذا ضاقت بك الأمور فاجعل هذا من باب حذف المعلوم، وهو لسان معروف عند العرب، بل ومعروف حتى في القرآن وهدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.

أحياناً بعض أهل العلم يرى أن هناك تقصيراً في السنة أو في اتباع السلف، ونحو ذلك، فيذكر بعض هذه القيود، فنقول: هذا فقه، فإذا استدعى المقام أن يذكر هذا القيد فليذكر، وإذا استدعى المقام أنه لا يلزم ذكره، فلا يلزم ذكره، ومن لم يذكره وهو من أصحاب السنة لا ينكر عليه أو يقال أنه مخالف للسنة.

فالذي أقصده باختصار: أن امتحان الناس بالأسماء كما يقول ابن تيمية: لا أصل له، فكذلك امتحانهم بكلمات اختصت بفقيه أو عالم، امتحانهم بهذه الكلمات معصية، بل الناس يمتحنون بكلمات القرآن والسنة وما توارد عليه الإجماع، إلا إذا كان له كلام أو أحوال تنافي ما هو من السنة فهذا- كما أسلفت- باب آخر.

أما الذي قد يعرض أحياناً لبعض طلاب العلم فيكون له طريق معينة، وكلمات معينة يريد أن يجعلها شعاراً ملزماً، فقد تقبل في بيئة ولا تقبل في بيئة أخرى، ومن هنا ذكرت من أنواع فقه كلمات الكتاب والسنة والرد إلى الله والرسول عليه الصلاة والسلام.

من الأمور التي ختم بها الإمام ابن تيمية هذه الرسالة: مسألة أنواع من الغلو التي طرأت على كثير من أهل السلوك، وكما أشرت إلى أن هذا يتمثل إما في باب المعرفة والتصديقات، أو في باب توحيد الألوهية، وهذه هي التي يغلظ على من يدعو إليها، وهي فتنة العامة بما يخالف أصول التوحيد في ربوبية الله سبحانه وتعالى وألوهيته وعبوديته.

ثم ذكر الفتن التي تقع عند القبور، وما يلحق بذلك، فهذا أيضاً له أمثلة يمكن أن تقرأ في عرض كلامه.

إلى هنا نصل إلى نهاية التعليق على هذه الرسالة أو بعبارة أخرى: على منهج هذه الرسالة في مسائل السلوك والتعبد، وما دخلها من الإفراط أو التفريط أو الغلو في بعض الصور، وفقه التصحيح في هذا المقام، والله تعالى أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015