استخدام شيخ الإسلام لبعض مصطلحات الصوفية في رسالته الموجهة إلى أتباع عدي بن مسافر

قال المصنف رحمه الله: [وفي أهل الزهادة والعبادة منكم من له الأحوال الزكية، والطريقة المرضية، وله المكاشفات والتصرفات].

من فقه شيخ الإسلام أنه استعمل معهم المصطلحات التي تستعملها المتصوفة، مثل: المكاشفات والتصرفات، مع أن هذه مصطلحات مولدة لم توجد في الكتاب والسنة، ومع ذلك يقول: لهم مكاشفات، أي: مكاشفات صالحة، وتصرفات صالحة، والمقصود بالكشف: هو انكشاف بعض المعنى أو بعض المفهوم وبعض الحال، وهذا منه أوجه غالية ومنه أوجه مقتصدة.

فالمصنف مع فقهه بمذهب السلف تجوز في التعبير في المخاطبة، فاستعمل معهم الألفاظ التي لم تكن معروفة عند أئمة السلف لوجه أخص.

[وفيكم من أولياء الله المتقين من له لسان صدق في العالمين، فإن قدماء المشايخ الذين كانوا فيكم، مثل الملقب بشيخ الإسلام أبي الحسن علي بن أحمد بن يوسف القرشي الهكاري، وبعده الشيخ العارف القدوة عدي بن مسافر الأموي ومن سلك سبيلهما فيهم من الفضل والدين والصلاح والاتباع للسنة ما عظم الله به أقدارهم، ورفع به منارهم].

مصطلح العارف من المصطلحات الشائعة، وهو من وصل إلى درجة المعرفة والقدوة، فصار قدوة يقتدى به، وليس الإشكال في التصوف أن صاحبه يسمى عارفاً أو يسمى قدوة؛ فإن هذه أمور فيها كثير من التجوز إذا اقتضت مصلحة المراجعة إلى ذكرها، ولذلك نجد أن المصنف يستعمل مثل هذه التعبيرات.

[والشيخ عدي -قدس الله روحه- كان من أفاضل عباد الله الصالحين، وأكابر المشايخ المتبعين، وله من الأحوال الزكية والمناقب العلية ما يعرفه أهل المعرفة بذلك].

مسائل السلوك ولدخول كثير من العوارض في وقت مبكر من التاريخ، كما قال شيخ الإسلام رحمه الله في التعليق على بعض المسائل، وهي مسألة تأثير الإرادة في أفعال العباد، قال كلمة أحياناً قد تقال في مقامات أخرى، قال: "هذا المقام مقام وأي مقام، ضلت فيه أفهام وزلت فيه أقدام، وقد خاض فيه خلق من البصراء والفاحصين والمكاشفين، فعامته فهموا صحيحاً، وقل منهم من عبر فصيحاً"، هذا لا يلزم أن يطرد في كل المسائل.

لكن هناك مسائل أن القاصدين إليها قصدوا حقاً، وربما أنهم فهموا وجهاً من الحق لكن عبروا عنه بحروف محدثة، فهذا نمط إن صح اللفظ.

ومنهم من قد يكونون لم يفهموا صحيحاً، بل فهموا باطلاً وعبروا باطلاً، وهذا نمط آخر.

لكن أحياناً بعض التعبيرات هي التي تفسد بعض المعاني، ومثال ذلك: الهروي رحمه الله، فإنه في بعض كلامه لو استعمل كلمات مأثورة في تعريفه لبعض المقامات والكلام وابتعد عن بعض المصطلحات المولدة؛ لكان كلامه من أجود الكلام وأنفعه، وأيضاً أبو حامد الغزالي في كلامه أحياناً يتكلم بلغة مقاربة، ويقصد بذلك مخاطبة العامة من المسلمين، فيكون كلامه إذا تكلم للعامة من أجود الكلام وأنفعه؛ ولذلك يعتبر إماماً في السلوك، أي: من حيث وصوله إلى بعض المعاني الصحيحة، وإن كان قد زل في مقامات في مسائل السلوك إلى أوجه مستغربة، بل أوجه منكرة كما سبق التنبيه عليه.

[وله في الأمة صيت مشهور، ولسان صدق مذكور، وعقيدته المحفوظة عنه لم يخرج فيها عن عقيدة من تقدمه من المشايخ الذين سلك سبيلهم، كالشيخ الإمام الصالح أبي الفرج عبد الواحد بن محمد بن علي الأنصاري الشيرازي ثم الدمشقي، وكشيخ الإسلام الهكاري ونحوهما].

عدي بن مسافر -كما أشار ابن تيمية في مواضع- قد لخص عقيدته من عقيدة الشيخ أبي الفرج الأنصاري.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015