قال المصنف رحمه الله: [بسم الله الرحمن الرحيم
من أحمد ابن تيمية إلى من يصل إليه هذا الكتاب من المسلمين المنتسبين إلى السنة والجماعة، المنتمين إلى جماعة الشيخ العارف القدوة أبي البركات عدي بن مسافر الأموي رحمه الله ومن نحا نحوهم، وفقهم الله لسلوك سبيله، وأعانهم على طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وجعلهم معتصمين بحبله المتين، مهتدين لصراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وجنبهم طريق أهل الضلال والاعوجاج الخارجين عما بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم من الشرعة والمنهاج، حتى يكونوا ممن أعظم الله عليهم المنة بمتابعة الكتاب والسنة].
باب المكاتبات باب من الفقه الذي ينبغي العناية به عند أهل العلم، وأهل الشريعة وبين خاصة المسلمين بوجه عام أياً كان شأن هذه الخاصة إما من أصحاب السلطة والحكم والإمارة، أو من أصحاب العلم، أو من أصحاب الدعوة، أو من أصحاب الجاه عند عامة الناس.
فهو من أخص ما يصلح النفوس؛ ولذلك استعمله الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؛ فقد كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل -كما في حديث ابن عباس في الصحيحين- كتابه المشهور، وقال: (من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم ..) ونجد في هذا الكتاب من النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل حسن التأتي في المكاتب.
وقد خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان قاصراً وناقصاً، قال عز وجل: {وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب:72]، فالجهل والظلم صفتان كاملتان في الإنسان، فمتى ما حرك الإنسان إلى الجهل جهل، ومتى ما حرك إلى الظلم ظلم، فنفس الإنسان قابلة للجهل وقابلة للظلم؛ ولكن يداوى هذا الجهل بالعلم الذي بعث الله به الأنبياء، ويداوى الظلم بالعدل والقسطاس المستقيم والميزان الحق الذي أنزله الله سبحانه وتعالى ليقوم الناس بالقسط.