باب اليوم الآخر يقتصر فيه على ما يطابق النص

باب اليوم الآخر وأمثاله باب لا يقال فيه بالتفقه على طريقة الرأي والاجتهاد، وإنما يقتصر فيه على ما طابق النص.

وأما البحث في أنواع الدلالات من جنس البحث الفقهي فإن هذا ليس فاضلاً، وإن كان يبدو لبعض طلبة العلم نوعاً من التحقيق في فقه المسألة أو فقه الدليل أو في فقه النص.

فمثلاً: إذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم نص مجمل، وتضمن هذا النص المجمل بعض المسائل المفصلة المحتملة لهذا النص، فإنه لو كان هذا النص في باب الأمر والنهي، لكان المشروع التفقه في هذا النص والأخذ بأنواع الدلالات التي جاء تفصيلها في كتب أصول الفقه.

أما باب العقائد بعامة، ولاسيما الأبواب السمعية المحضة، فلا ينبغي لأحد أن ينظر فيها بالتفقه على طريقة الرأي والاجتهاد، وهذا باب محكم عند سائر السلف، ولا سيما إذا اعتبرت أن أئمة الحديث كـ أحمد وغيره، كانوا يأخذون على فقهاء الكوفة كثرة الرأي حتى في مسائل الفقه والتشريع، فما بالك بهذا الباب؟!

ولذلك إذا رجعت إلى الكتب التي نقلت أقوال السلف كالتوحيد لـ ابن خزيمة أو السنة لـ عبد الله أو للخلال أو أصول السنة والجماعة للالكائي وما إلى ذلك من هذه الكتب، تجد أنهم في باب اليوم الآخر لا يذكرون عن السلف فيه إلا أقوالاً كأنها هي نفس الحروف المكتوبة في القرآن، بمعنى أن القول المأثور عن السلف يكاد أن يكون نفس النص النبوي، أو جزءاً من النص النبوي، أو جزءاً من النص القرآني.

وهذا يدل على أن باب اليوم الآخر يؤخذ بطريقة المطابقة، وإن تضمنت هذه الطريقة التي أشير إليها عدم الإجابة على كثير من الأسئلة التي ترد، فإن هذا ليس مشكلاً في نفسه، ولكنه يشكل على البعض، فتجده يقول: إذا قال قائل كذا فماذا نقول؟ وإذا ورد سؤال: هل يلزم من ذلك كذا؟ فماذا نقول؟!

هنا يقال: الله أعلم، فما دام النص ليس صريحاً في هذا الخبر، فإن الأصل الوقف فيه؛ لأن باب اليوم الأخر الأصل فيه أنه غيب، والغيب لا يقال فيه بالظن؛ لأن هذا الظن ليس مما شرع الله؛ فإن الله سبحانه وتعالى لم يشرع في الغيب ظناً، وكل الغيبيات التي أوجب الله ورسوله على العباد أن يؤمنوا بها هي غيبيات قطعية بينة.

إنما الذي يجوز أن يدخله الظن هو مسائل التشريع -مسائل الفقه- لأن أحوال العباد وما يتعلق بهم لا يتناهى من جهة اختلاف أحوالهم وما إلى ذلك، فيكون باب الاجتهاد هنا سائغاً؛ إذ لا يمكن أن تنحصر هذه الأمور بمحض النصوص الضابطة لها.

وفي هذا جواب على سؤال قد يرد، وهو: لماذا باب الغيبيات وأصول العقائد مقولة بالنص المحض؟ ولماذا باب التشريع فيه ما هو من النص المحض، وفيه ما هو من الاجتهاد والاحتمال؟ لماذا لم يكن كل القرآن والسنة كذلك؟ ولماذا لم يكن الدين كله كذلك؟

فالجواب: أن يقال: إن الدين في نفس الأمر كله محكم، لكن لو أن الله سبحانه وتعالى فصل أمور العباد على طريقة محققة لكان هذا فيه من الحرج في التكليف شيء كثير، ولذلك هذه النصوص التي فيها قدر من الاحتمال، يكون فيها سعة على كثير من الناس، فيما يقع من الاجتهاد وما إلى ذلك، وهذا إذا تأمله طالب العلم تبين له بياناً مفصلاً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015