قال المصنف رحمه الله: [وفي باب وعيد الله بين المرجئة وبين الوعيدية من القدرية وغيرهم].
الطوائف في تسميتها أحياناً تنسب لشخص كالجهمية، فهي من حيث اللفظ نسبة إلى الجهم بن صفوان، ولكن مراد السلف المعنى، وهو نفي الصفات.
والمرجئة ليست نسبة لشخص، وإنما هي نسبة لمعنى، وهذا المعنى مشترك، بمعنى أن الإرجاء ليس وجهاً واحداً، بل كما ذكر الأشعري في المقالات أن المرجئة ثنتا عشرة طائفة؛ فيهم الغلاة كـ جهم بن صفوان، وقد نطق جملة من أئمة السلف كـ أحمد ووكيع وابن مهدي أن قوله في الإرجاء كفر، وفي المرجئة قوم من الصالحين والعلماء المعروفين، وهم من يسمون بمرجئة الفقهاء كـ حماد وأبي حنيفة وأمثال هؤلاء.
ولكن في باب الوعيد يغلب على المرجئة التفريط.
أما الوعيدية من المعتزلة أو من القدرية -ويقصد بالقدرية هنا المعتزلة، إذ ليس كل قدري وعيدياً، فإنه زل في مسألة القدر أقوام ليسوا من أهل القول بالوعيد على طريقة المعتزلة والخوارج- فإنهم يرون أن أصحاب الكبائر مخلدون في النار، وهذا مذهب المعتزلة والخوارج، كما هو معروف، وقلدهم طائفة من الشيعة.
والمرجئة ليس لهم مذهب منضبط في هذا، وإنما يقال: إنهم في الجملة عندهم تفريط في باب الوعيد، فليس ثمة تقابل بين البدعتين من كل وجه، بمعنى أنه لما قالت الوعيدية من الخوارج والمعتزلة أن صاحب الكبيرة مخلد في النار، فلا يفهم من هذا أن المرجئة تقول أنه لا يعذب في النار أبداً، بل هذا المذهب لم يصح عن أحد من المرجئة بعينه من الأكابر المعروفين، وهي جملة: (لا يضر مع الإيمان ذنب).
فهذه الجملة -كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله- لم تنضبط عن قائل بعينه من المعروفين بالعلم والمقالات، ونسبها الأشعري في مقالاته وابن حزم في الفصل إلى مقاتل بن سليمان، ونص ابن تيمية في منهاج السنة أنها لا تصح عنه، وهي قد تكون جملة لغلاة من القدرية كانوا يذهبون إلى هذا المذهب، فليس هناك مانع أن ثمة طائفة تذهب إلى أنه لا أحد يعذب من أهل الكبائر.
والمقصود: أن هذا القول ليس مذهباً متحققاً من حيث النقل التاريخي، لكن لا يمتنع أن يقول به قائل من غلاة المرجئة.