ما من باب حدث فيه نزاع بين أهل القبلة إلا ومنه ما هو محل اتفاق.
فمن خرج عن موارد الاتفاق عند السلف، قيل: خرج من السنة إلى البدعة، وقد تكون هذه البدعة بدعة كفرية، لكن من خرج عن مورد اتفاق أهل القبلة، قيل: خرج من الإسلام إلى الكفر.
هذه قاعدة لا بد أن يعرفها طالب العلم.
قد يقول قائل: ما محل الاتفاق في الصفات؟
فأقول: من موارد اتفاقهم -أعني أهل القبلة: جميع المسلمين من أهل السنة وغير أهل السنة- في باب الصفات أن الله مستحق للكمال منزه عن النقص.
قد يقول قائل: كيف أجمعوا على ذلك مع أن المعتزلة تنفي الصفات، ونفي الصفات نقص؟!
فأقول: إن أهل القبلة من المسلمين سنيهم وبدعيهم اتفقوا على أن الله مستحق للكمال منزه عن النقص، وإنما اختلفوا في تحقيق المناط؛ أي: ما هو الكمال وما هو النقص، المعتزلة قالوا قولتهم، وهي في نظرهم كمال لا نقص، والأشاعرة يرون أن مذهبهم هو كمال الرب، والماتريدية يرون مذهبهم كذلك، والكرامية يرون مذهبهم كذلك، والشيعة يرون مذهبهم كذلك.
وأيُّ طائفة تقول قولاً وهي تعلم أنه نقص فهي طائفة غير مسلمة، لأنها خرجت عن اتفاق أهل القبلة من أن الله مستحق للكمال، منزه عن النقص.
إذاً: ما من أصل من أصول الدين إلا وفيه قدرٌ كلي مشترك بين سائر أهل القبلة، فمن خرج عن هذا الاتفاق فقد كفر، ثم يبقى فيه قدر من النزاع بين أهل السنة وغيرهم، فمن خرج عن اتفاق أهل القبلة خرج من الإسلام إلى الكفر، ومن خرج عن اتفاق أهل السنة خرج من السنة إلى البدعة.
وحين نقول: خرج من السنة إلى البدعة لا يعني ذلك أن البدعة لا تكون بدعة كفرية؛ بل قد تكون بدعةً كفرية وقد تكون دون ذلك، وإذا كانت بدعة كفرية، فلا يلزم أن قائلها يكون كافراً، بل هذا معتبرٌ بشرطه وانتفاء مانعه.