قال المصنف رحمه الله: [وهم وسط في باب أفعال الله بين الجبرية والقدرية وغيرهم].
أفعال الله سبحانه وتعالى لم يقع بين المسلمين في الجملة خلاف في تقريرها، وإنما مسألة النزاع الكبرى في هذا الباب، هي ما يتعلق بأفعال العباد، فهل العباد مجبرون على أفعالهم، ولا إرادة لهم ولا مشيئة لهم، أم أن العباد مستقلون بإرادتهم ومشيئتهم وخلقهم لأفعالهم والله لم يخلق أفعالهم ولم يردها ولم يشأها؟
هذان المذهبان في مسألة الأفعال مذهبان متناقضان كما ترى، تقلد الأول الجبرية، نسبة للقول بالجبر، وهو أن العبد مجبور على فعله، ولا إرادة وله ولا مشيئة له على الحقيقة، وأن الله جبر العبد على الفعل.
وأخص من تقلد الجبر الجهم بن صفوان، وكثيرون من الجبرية ولا سيما في الشام، وتقلد نفي القدر القدرية الذين قالوا: إن الله لم يخلق أفعال العباد ولم يردها ولم يشأها، بل العبد مستقل بإرادته ومشيئته، وتقلد هذا المذهب المعتزلة وكثير غيرهم، وهم المسمون بالقدرية.
وكان من القدرية طائفة من الغلاة أنكروا علم الرب بأفعال العباد إلا عند كونها، ولكن هؤلاء من الزنادقة الذين انقطع أثر مذهبهم، والذين انتشر مذهبهم وبقي هم القدرية الذين يؤمنون أن الله يعلم ما كان وما سيكون، وإنما يقولون: إنه لم يرد أفعال العباد ولم يخلقها، وهذا ما يسمى بمذهب القدرية، وهو شائع في المعتزلة والشيعة وطوائف أخرى.
فأهل السنة والجماعة وسط في أفعال الله بين هؤلاء وهؤلاء، حيث يقولون: إن الله سبحانه وتعالى -كما وصف نفسه في كتابه- هو الفعال لما يريد، وأنه لا يعزب عن علمه مثقال ذرةٍ في السماوات ولا في الأرض، وأنه لا يقع شيء في الكون من أفعال العباد وغيرها إلا بإرادته ومشيئته، وأنه الخالق لكل شيء، فقد دخل في عموم خلقه أفعال العباد وغير أفعال العباد؛ مع الإيمان بأن العباد لهم مشيئة وإرادة، وأنهم ليسوا مجبورين على أفعالهم.
وسيأتي تفصيل هذا