"قال مالك: وكل ما اختلف من الطعام والأدم فبان اختلافه فلا بأس أن يشتري بعضه ببعض جزافاً يداً بيد, فإن دخله الأجل فلا خير فيه" لأنه يدخله ربا النسيئة، ولا خير فيما حرم الله -جل وعلا- "وإنما اشتراء ذلك جزافاً كاشتراء بعض ذلك بالذهب والورق جزافاً" لأنه لا يلزم معرفة المقدار بالكيل إلا إذا بيع بجنسه، أما إذا بيع بغير جنسه وحينئذٍ لا يشترط التماثل يجوز البيع جزافاً.
"قال مالك: وذلك انك تشتري الحنطة بالورق جزافاً، والتمر بالذهب جزافاً، فهذا حلال لا بأس به" لكن الذي يختلف فيه الذهب والفضة عن غيرهما أنها قيم الأشياء, تباع بها متفاضلة، وتباع بها نسيئة.
"قال مالك: ومن صبر صبرة طعام وقد علم كيلها" يدري يعرف أنها مائة صاع "ثم باعها جزافاً، وكتم على المشتري كيلها فإن ذلك لا يصلح" لماذا؟ لا سيما إذا كان يعني بان من تصرف المشتري، أو لوحظ عليه أنها أكثر من الواقع, هي مائة صاع ويعرف صاحبها أنها مائة صاع, فقال لصاحبها: بكم؟ قال: بألف ريال, قال على كل حال نحن كسبانين, تمر كثير مائتين صاع ثلاثمائة صاع بألف ريال رخيص, وهي مائة, وذاك يسمعه, أو ظهر عليه علامات أنها أكثر من واقعها, فحينئذٍ لا يجوز أن يكتمها؛ لأن ذاك ما أقدم على الشراء إلا لغلبة ظنه أنها أكثر من واقعها, وإلا فالأصل أنها يجوز بيعها جزافاً, وإن أخبره بواقعها, لا شك أنه أحوط، وكلام الإمام مالك منصب على ما إذا كان المشتري يظن أنها أكثر مما هي عليه في الواقع, يتوقعها مائة وخمسين صاع مثلاً، وهي مائة صاع, وأما إذا كان يتوقعها على حقيقتها, الناس يتفاوتون, بعض الناس إذا رأى الصبرة قال: خمسمائة صاع, وهي ما تجيء مائتين, بعض الناس يعطيك مقدارها بدقة, وبعض الناس من حرصه على نفسه وعلى ماله يقدرها نصف الكمية, فالإمام مالك يريد أن يقطع الطريق على من يأتيه مثل هؤلاء فيخبره.