فقرب إليه خبزاً من شعير ومرقاً فيه دباء، وأضافه يهودي فأجاب الدعوة من باب التأليف، وقدم له خبز من شعير وإهالة سنخة، يعني متغيرة، أشرف الخلق يقدم له هذا، لكن الواحد منا لو يدعى إلى وليمة، أو إلى طعام، ويقدم له شيء أقل مما توقع صار في نفسه مثل الجبل، وهو لن يأكل ولا عشر معشار ما قدم، لكن هكذا النفوس، يعني عودت على شيء فيصعب فطامها عنه.
"فقرب إليه خبزاً من شعير، ومرقاً فيه دباء" واحد من المشايخ العباد المعروفين توفي -رحمه الله تعالى-، قال له شخص: عندي لك هدية يا أبا فلان، ثم رآه مرة ثانية فقال: عندي لك هدية، ثم رآه ثالثة قال: عندي لك هدية يا فلان، ونسيت أحضرها، أحضرها لك في المسجد في صلاة كذا، فلما صلى في الوقت المحدد وإذا بالهدية معه، وإذا به سواك أعوج، تكرر الأمر ثلاث مرات أو أربع مرات، عندي هدية، وبالنهاية سواك أعوج! ثم رجع إلى نفسه، فقال: هو محسن على كل حال، قل المهدى أو كثر، هذا إحسان منه، دون مقابل، فليس له من الجزاء إلا أن أدعو له، ثم رجع إلى نفسه يعاتبها المنة والفضل أولاً وآخراً لله -جل وعلا-، الذي خلقك من عدم، ورزقك وجعلك مسلماً، وجعلك من أهل طاعته، وذكره وشكره، ومن أهل العلم، ومن أهل الفضل، والله المستعان، وتقدم له من العبادات التي افترضها عليك ما هو من العوج بمثابة هذا السواك، رجع إلى نفسه يؤنبها، لكن لو يؤتى بمثل هذا السواك يمكن يرميه عليه، وقد يتكلم عليه، إيش معنى هدية هدية وفي النهاية سواك أعوج؟! والله المستعان.
الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقرب إليه خبز من شعير ومرق فيه دباء، قرع "قال أنس: فرأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتتبع الدباء" كان يحبها، يتتبع الدباء من حول القصعة، وهذا إذا كان المقدم له أجزاء ينفصل بعضها عن بعض لا بأس من الاختيار، كالتمر والدباء، وما أشبه ذلك، واللحم أيضاً، لكن إذا كان متساوياً فكل مما يليك "فلم أزل أحب الدباء بعد ذلك اليوم" يقوله أنس؛ لمحبة الرسول -عليه الصلاة والسلام- إياها، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.