قد يقول قائل: الأحكام المبنية على مثل هذا الاختلاف مصيرها؟ يعني هل تتصور أن أحكام الإسلام كلها متفق عليها؟ نعم، لا، الخلاف موجود، ولولا الخلاف في أحكام الدين لصار العوام علماء، المسألة حفظ أحكام سهل، لكن الكلام كيف تثبت هذه الأحكام؟ هذا الذي يميز العالم من غير العالم، وإلا لو اتفق الناس على جمع المسائل، وهذا حلال، وهذا حرام، ومميز صار الناس كلهم علماء، لكن من حكمة الله -جل وعلا- أن جعل في هذا الدين في أحكامه، وفي وسائل ثبوت هذا الأحكام من النصوص أيضاً ما فيها، القرآن لا يشك أحد في حرف من حروفه أنه ثابت ثبوتاً قطعياً، لكن دلالة النصوص، دلالة الآيات على بعض الأحكام يكون فيها خلاف بين أهل العلم، والأجور العظيمة رتبت للعلماء في هذا الاستنباط، وهذا التعب، وكد الذهن، وإلا صار الناس كلهم علماء، ليس هذا كوننا نقول: إن هذا النوع متأرجح بين كذا وكذا، حتى الحكم بالصحة إلا أنه أسهل من الحكم بالحسن، الحكم بالصحة قد ينازع فيه من يحكم بالصحة، وهذه أمور اجتهادية رتب عليها الأجور العظيمة، والمنازل العالية في الدنيا والآخرة، من أجل إيش؟ أن يتميز الإنسان بالجد والاجتهاد، وإلا ما صار لأحد ميزة؛ لأنه لو كانت المسائل حلال، لا خلاف فيه، حرام لا خلاف فيه، ما صار هناك ميزة، المسألة مسألة حفظ كل الناس بيحفظون، وبالتوارث بيفهمونه، لكن لا من وجد شيخ يقول: هذا حرام، ثم وجد ثاني يقول: لا مكروه، ثم وجد ثالث. . . . . . . . .، ما يمكن يدرك العلم إلا بطلب، يعني لو صارت الأمور المسائل كلها متفق عليها أدرك العلم من غير طلب، بالتوارث يدركونه الناس، ولذلك المسائل القطعية التي لا خلاف بين أهل العلم عوام المسلمين يعرفونها، ما في عامي ما يعرف أن الزنا حرام، أو أن الصلاة واجبة، أو أن الحج ركن من أركان الإسلام، ما يختلفوا في هذا، لكن لو كانت كل مسائل الدين بهذه المثابة، هل يصير لأهل العلم مزية؟ ما لهم مزية، ولذا العلم من أقرب الموصلة إلى جنات النعيم، إذا طلب مع الإخلاص، وهو أفضل ما يتنفل به، وتقضى فيه الأعمار من الأعمال الصالحة، فمثل هذا الكلام لا يشكك طالب العلم في دينه، ولا في كيفية ثبوته، لنعلم أن العلم