ومن ذلك قولهم: "أُفّ"، ومعناه: أتضجَّرُ، فهو اسمٌ لهذا الفعل ونائب عنه، وهو مبني لوقوعه موقعَ الفعل مطلقًا، إذ الفعلُ أصلُه البناء، ومن يقول إنما بُني بالحمل على أسماء الأفعال المأمور بها, لم يحتج إلى اعتذار عن "أُف" وأصلُه أن يكون بناؤُه على السكون، وإنما الحركةُ فيه لالتقاء الساكنين، وهما الفاءان، وفيه لغاتٌ، قالوا: "أُف"، و"أُفٍّ"، و"أفُّ"، و"أُفٌّ"، و" أُفَّ"، و"أُفًّا"، وتُمال، فيقال: "أُفِّي". والعامةُ تُخْلِصها ياءً، فتقول: "أُفِّي". وتُخفف، فيقال: "أُفُ" (?). فالحركةُ في جميعها لالتقاء الساكنين، فمَن كسر فعلى أصل الباب، ومن ضم فللإتباع، ومن فتح فللاستخفاف، ومن لم يُنوِّن، فإنه أراد المعرفة، أي: أتضجرُ التضجّرَ، ومَن نون، أراد النكرة، أي: تضجرًا، ومَن أمال، أدخل فيها ألفَ التأنيث، وبناها على "فُعْلَى". وجاز دخولُ ألف التأنيث مع البناء كما جاءت تاؤُه مع "ذَيّةَ"، و"كَيةَ". وقد قالوا: "هَنا"، فأدخلوا فيها ألفَ التأنيث، ووَزْنُها "فَعْلَى"، وليس من لفظِ "هُنَا"، بل هو مثلُ "سِبَطْر"، و"سَبِطٍ"، ويجوز أن يكون من لفظه، ويكون وزنُه "فَنْعَلًا" كـ"عَنْبَسِ" و"عَنْسَلٍ"، فيمن جعله من العَسْلان.
ومن ذلك "أوّهْ" بمعنَى "أتَوَجعُ"، وفيه لغات. قالوا: "أوه مِن كذا"، بسكون الواو، وكسر الهاء، قال الشاعر [من الطويل]:
537 - فأوْهِ لذِكْراها، إذا ما ذكرتُها ... ومِن بُعْدِ أرْضٍ بَيْنَنَا وسَماءِ
وقالوا: "آهِ"، بمَدّةٍ بعد الهمزة وكسرِ الهاء. وربما شدّدوا الواو وكسروها، وسكنوا الهاء، فقالوا: "أوهْ مِن كذا". وربما كسروا الهاء مع التشديد. أنشد