وهو مبني لوقوعه موقعَ فعل الأمر، وتضمنِه معنَى لام الأمر. وكان الأصلُ أن يكون ساكنَ الآخِر، إلَّا أنه التقى في آخره ساكنان: الياءُ والدال، ففُتحت الدال لالتقاء الساكنين لثِقَل الكسرة بعد الياء، على حد صَنِيعهم في "رُوَيْدَ"، و"أيْنَ"، و"كَيفَ". وحكى البَغْداديون: "تَيْدَك زيدًا"، ويحتمل أن يكون الكاف اسمًا في موضع خفض، ويكون انتصابُه على المصدر بمنزلهَ: "ضَرْبَ زيدٍ عمرًا". ويجوز أن تكون للخَطاب مُجرَّدة من معنَى الاسميّة بمنزلةِ: "رُوَيْدَك زيدًا". والأقربُ في هذه اللفظة أن تكون مأخوذةً من "التؤَدَة"، الفاءُ واوٌ، أُبدل منها التاءُ، ولزم البدلُ على حد "تَيْقُورٍ" و"تَوْراةٍ"، والعينُ همزة، أُبدلت ياء لضربٍ من التخفيف على غيرِ قياس، كما قالوا في "قَرَأْتُ": "قَرَيْتُ"، وفي "بَدَأْتُ"، "بَدَيْتُ"، وفي "تَوَضأتُ": "تَوَضيْتُ".
ومن ذلك "هَلُم زيدًا"، أي: قَربْه، وأحْضِرْه، وليس المراد أنّها دالّة على ما يدل عليه "قربه"، و"أحضره"، وإنما "هَلُم" اسم لهذا اللفظ الذي هو"قَربْ"، و"أَحْضِرْ"، وله موضعٌ يُذكر فيه.
ومن ذلك: "هَاتِ الشيءَ"، أي: أعْطِنِيه، وهو اسمٌ لـ "أعْطِني" و"نَاوِلْنِي"، ونحوِهما. وهو مبنِي لوقوعه موقعَ الأمر، وكُسر لالتقاء الساكنين: الألف والتاء، وكأته من لفظِ "هَيْتُ" ومعناه. وقال بعضهم: هو من "آتَى يُؤَاتِي"، والهاءُ فيه بدل من الهمزة، ويُعزَى هذا القول إلى الخليل (?)، واستدل على ذلك بتَصْرِيفه، نحوِ قوله [من الرجز]:
519 - لله ما يُعْطي وما يُهاتي
من "المُهاتاة" ويُلحِقونه ضميرَ التثنية والجمع لقوة شَبَهِ الفعل.
قال الله تعالى: {هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (?). وفي الحديث: "هاتوا