المخاطبةُ وحُضورُ المأمور مقامَ اللفظ بالأمر. وإذا جاز حذفُ فعل الأمر من غيرِ خَلَفٍ لشاهدِ حالٍ، كان حذفُه لقيام غيره مقامَه أوْلى بالجواز. وليس كذلك الغائب والخبرُ، فلذلك قل استعمالُ هذه الكِلَمَ في الخبر، وكثُر في أمرِ الحاضر.

ووجهٌ ثانٍ أنّ الأمر لا يكون إلَّا بالفعل، فلمّا قويت الدلالةُ على الفعل، حسُن حذفُه وإقامةُ الاسم المُناب عنه خَلَفًا منه. ولما كانت هذه الأسماء عِوَضًا عن اللفظ بالفعل ونائبة عنه، أُعملت عَمَلَه، ولما كانت الأفعال التي هي مسمَّياتُ هذه الأسماء، منها ما هو متعد للفاعل متجاوِزٌ له إلى غيره، نحوُ: "خُذ زيدًا" و"الْزَمْ عمرًا"، ومنها ما هو لازم له لا يتجاوزه إلى مفعول، نحوُ: "اسْكُتْ"، و"اكْفُفْ"، كانت هذه الأسماء كذلك على حسبِ مسمياتها، منها ما هو متعد للمأمور، ومنها ما لا يتجاوزه إلى غيره.

فمن المتعدى قولُهم: "رُوَيْدَ زيدًا"، أي: أرْوِدْه، وأمْهِلْه، فهو اسمٌ لهذا اللفظ، وهو مشتق من مسماه الذي هو "أرْوِدْ". وأصلُه المصدر الذي هو "إرْوادٌ". وصُغر بحذفِ الزوائد تصغيرَ الترخيم، فقالوا: "رُوَيْد"، كما قالوا: "سُوَيْدٌ" في "أسْوَدُ"، و"زُهَيْرٌ" في "أَزْهَرُ". وقال الفراءُ: "رُوَيْدَ" تصغيرُ "رُودِ"، و"الرُودُ": المَهْل، يُقال: فلانٌ يمشي على رُودٍ، أي: على مهل، قال الشاعر [من البسيط]:

518 - [تكادُ لا تَثلِمُ البطحاءَ وَطْأتُها] ... كأنّها ثَمِلْ يَمْشِي على رُودِ

وقالوا: "تَيْدَ زيدًا" في معنَى "رُوَيْدَ زيدًا"، فهو اسمٌ لقولك: "أرْوِدْ"، و"أمْهِلْ"،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015