ومن بعدُ"، إذا أردت المعرفة، و"يَا زيدُ". هذا مذهبُ سيبويه، والكوفيون يُخالِفونه في هذا الأصل (?)، وينصبون "أيًّا" إذا وقع عليها فعلٌ، سواء حذفوا العائد من الصلة، أو لم يحذفوه، ولا فرقَ عندهم بين قولهم: "لأضربَن أيهم هو أفضلُ"، وبين "لأضربَن أيهم أفضلُ" ولا يضمّون "أيهُم" إلَّا في موضعُ رفع، فأمّا قوله تعالى: {ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ} (?)، فإنهم يقرؤونها بالنصب، حكاه هارونُ القارئ عنهم، وقرأ بها أيضًا، وتأوّلوا الضم على وجوه:
أحدُها: أنه معربٌ، وأنّه رفعٌ بأنه مبتدأ، و"أشَدُّ" الخبرُ، ويكون "أيٌّ" هنا استفهامًا، كأنه اكتفى بالجار والمجرور في قوله: {مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ}، كما يُقال: "لأقْتُلَن من كل قَبِيلٍ"، و"لآكُلَنّ من كل طَعام"، ثُم ابتدأ {أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا}، وهو رأيُ الكسائي والفراء، وعلى هذا، لا يكون للجملة التي هي "أيُّهُم أشد" موضعٌ من الإعراب.
والوجهُ الثاني: أن يكون "أيُّهُم" أيضًا استفهامًا على ما ذكرنا، وهو رفعٌ بأنه مبتدأ، وما بعده الخبرُ، والجملةُ في موضع المفعول لقوله: {لَنَنْزِعَنَّ}، والنزعُ بمعنى التبيين، فهو قريب من العِلم، فلذلك جاز تعليقُه عن العمل.
والوجه الثالث: أن يكون رفعًا على الحكاية، والمعنى: ثُم لننزعن من كل فَرِيق تَشايَعُوا الذي يُقال فيه: أيُّهم أشدُّ على الرّحمن عتيّا، وهو رأيُ الخليل (?)، وشبّهه بقول الأخْطَل [من الكامل]:
491 - [ولَقَد أبيتُ من الفتاة بمنزلٍ] ... فأبِيت لا حَرِجٌ ولا محرومُ