جاء مرفوعًا, لأنّ القافية مرفوعةٌ. والذي يُفارِق به المبتدأُ الفصلَ ههنا أنّ الضمير إذا كان مبتدأٌ، فإنه يُغيِّر إعرابَ ما بعده، فيرفعُه ألبتّةَ بأنّه خبر المبتدأ، وإذا كان فصلًا، لا يُغير الإعرابَ عمّا كان عليه، بل يبقى على حاله كما لو لم يكن موجودًا. فتقول في المبتدأ: "كان زيدٌ هو القائمُ "، ترفع "القائمَ" بعد أن كان منصوبًا، وتكون الجملةُ في موضع الخبر. وكذلك تقول: "ظننتُ زيدًا هو القائمُ"، ترفعُه أيضًا، وتكون الجملةُ في موضعِ المفعول الثاني لِـ"ظننتُ".

فأمّا إذا كان الفصلُ بين المبتدأ وخبرِه، أو بين اسمِ "إنَّ" وخبرِها، فإنّه لا يظهر الفرقُ بينهما من جهة اللفظ؛ لأنّ ما بعد المضمر فيه مرفوع في كِلا الحالَيْن, لأنّ خبرَ المبتدأ مرفوع، وخبر "إن" مرفوع. وإنّما يقع الفصلُ بينهما من جهةِ الحكم والتقدير. فإذا جعلتَه مبتدأ، كان اسمًا، فله موضعٌ من الإعراب وهو الرفعُ، بأنّه مبتدأ، والمبتدأُ يكون مرفوعًا. ويدلّ على ذلك أنّك لو أوقعتَ موقعَه اسمًا ظاهرًا، لكان مرفوعًا، نحوَ قولك: "كان زيدٌ غلامُه القائمُ". هاذا جعلتَه فصلًا، فقد سلبتَه معنَى الاسميّة، وابتززتَه إيّاه، وأصرتَه إلى حَيِّزِ الحروف، وألْغَيْتَه كما تُلْغِي الحروفَ، نحوَ إلغاءِ "مَا" في قوله: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ} (?)، فلا يكون له موضعٌ من الإعراب، لا رفعٌ، ولا نصبٌ، ولا خفضٌ، وليس ذلك بأبعدَ من إعمالِ "مَا" عَمَلَ "ليْسَ" لَشَبَهها بها، والقياسُ أن لا تعمل. ونظيرُ ذلك من الأسماء التي لا موضعَ لها من الإعراب الكافُ في "ذلِكَ"، و"أُولَئِكَ" و"رُوَيْدَكَ"، و"النَّجاءَكَ"، ونحوِ ذلك.

وربّما التبس الفصلُ بالتأكيد والبدلِ في مواضعَ، والذي يفصِل بينهما. أمّا الفرقُ بين الفصل والتأكيد، فإنّه إذا كان التأكيدُ ضميرًا، فلا يُؤكد به إلّا مضمرٌ، نحوَ: "قمتَ أنتَ"، و"رأيتُك أنت"، و"مررتُ بك أنت". والفصلُ ليس كذلك، بل يقع بعد الظاهر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015