قال الله تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ} (?)، يُقرَأ: "تحسبنّ" في الآية بالتاء والياء (?)، فَمن قرأ بالتاء، فتقديرُه: لا تحسبَنَّ بُخْلَ الذين يبخلون بما آتاهم الله، ثمُ حُذف المضاف. ومَن قرأ بالياء، فـ "الذين" في موضع الفاعل، والمفعولُ الأوَّل محذوفٌ، والتقديرُ: البخلَ هو خيرًا لهم. وحَسُنَ إضمارُه لِما في "يبخلون" من الدلالة عليه، وصار كقولهم: "مَن كَذَبَ كان شَرًّا له"، أي: كان الكَذِبُ شرًّا له. ولو قلت على هذا: "ما ظننتُ أحدًا هو خيرًا منك"، لم يجز؛ لأنّه لم يأتِ بعد معرفة، وكذلك لو قلت: "ما ظننتُ زيدًا هو قائمًا" لم يجز؛ لأنّ الذي بعده ليس معرفةٌ، ولا مُقاربًا للمعرفة.
ويجوز رفعُ ما بعد هذه المضمرات سواء كان قبلها معرفة، أو بعدها، أو لم تكن، وذلك نحوُ قولك: "ما ظننتُ أحدًا هو خيرٌ منك"، فـ "أحدًا" مفعولٌ أوّلٌ، وقولُك: "هو خيرٌ منك" مبتدأٌ وخبرٌ في موضعِ المفعول الثاني. وكذلك لو قلت: "ما ظننتُ زيدًا هو قائمٌ". كل ذلك جائزٌ. وكذلك تقول: "زيد هو القائمُ"، و"إنّ زيدًا هو العالمُ"، و"ظننتُ محمّدًا هو الشاخصُ"، و"كنتُ أنَا الراكبُ"، وهو استعمالُ ناس كثير من العرب حكاه سيبويه (?).
وعَن رُؤبَةَ أنّه كان يقول: "أظُنّ زيدًا هو خيرٌ منك" بالرفع، وحكى عيسى بن عمر أن ناسًا كثيرًا من العرب يقولون: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ} (?)، وقال قيس بن ذُرَيح [من الطويل]:
462 - تُبَكي على لُبْنَى وأنتَ تركتَها ... وكُنْتَ عليها بالمَلا أنتَ أقْدَرُ