{مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ} (?)، أي: قومٌ يحرّفون. والكوفيون يُضْمِرون موصولًا، وتقديرُه عندهم: إلَّا مَن له مقامٌ معلومٌ. والأوّلُ أسهلُ؛ لأنّ حذفَ الموصول أبعدُ من حذف الموصوف.
ومنه ما حكاه سيبويه عن بعض العرب الموثوقِ بهم: "ما منهما مَاتَ حتّى رأيتُه في حالِ كذا وكذا"، والمراد: ما منهما أحدٌ مات، فحذف "أحدًا"، وهو الموصوفُ. وهذا الحذفُ في المبتدأ أسهلُ منه مع الفاعل، لو قلت: "جاءني قام أخوه" على إرادةِ: "جاءني رجلٌ قام أخوه"، لم يحسُن حُسْنَه في المبتدأ؛ لأنّ المبتدأ قد لا يكون اسمًا مَحْضًا، نحوَ "تَسْمَعُ بالمُعَيْدِيّ خيرٌ مِن أن تَراه" (?)، والمراد: سَماعُك بالمعيديّ خيرٌ من رُؤْيَته، وليس كذلك الفاعلُ.
وأمّا قوله: "أنا ابنُ جَلَا" من قول سُحَيْمِ بن وَثِيلٍ الرِّياحيّ [من الوافر]:
أنّا ابنُ جَلَا وطَلاّعُ الثَّنايَا ... مَتَى أضَعِ العِمامَةَ تَعْرِفُونِي
فقيل: إِنّه من هذا القبيل، والمرادُ: أنا ابنُ رجل جَلَا، ثمّ حذف الموصوفَ، أي: جلا أمرُه ووضح، أو كشف الشدائدَ. وقيل: إِنّه اسمٌ عَلَمٌ. واحتجّ به عيسى بن عمر شاهدًا في منعِ صرف كلّ اسم على وزن الفعل سواءٌ كان ذلك البناءُ ممّا يغِلب وجودُه في الأفعال، أو لا يغلب. وأصحابُ سيبويه يتأوّلونه على أنّه سُمّي به وفيه ضميرٌ، فهو جملةٌ، والاسمُ المنقول من الجملة يُحكَى، ولا يُعرَب، فيكون من قبيلِ: "بني شَابَ قَرْنَاهَا"، وقد تقدّم شرحُ ذلك في ما لا ينصرف. وقد قيل في قولِ الآخر [من الرجز]:
424 - وَاللَّهِ ما لَيْلِي بِنَامَ صاحِبُه ... ولا مُخالِطِ اللَّيَانِ جانِبُهْ