ولا يجوز أن يقع في هذا الموضع إلّا ما أَشْبَهَ المعروفَ ممّا يُعرِّف، ويُؤكِّد، لو قلتَ: "هو زيدٌ منطلقًا" لم يجز، لأنّه لو صحّ انطلاقُه لم يكن فيه دلالةٌ على صِدْقه فيما قاله، كما أوْجَبَ قولهُ: "معروفًا بها نَسَبي" أنّه ابنُهما. ولو قلت: "أنا عبدُ الله كريمًا جَوادًا"، أو "هو زيدٌ بَطَلًا شُجاعًا" لجَاز، لأنّ هذه الصفاتِ وما شاكَلَها ممّا يكون مَدْحًا في الإنسان يُعرَف بها، فجاز أن تجيء مُؤكِّدةً للخبر، لأنّها أشياءٌ يُعرَف بها، فذكرُها مؤكِّدةً لذاته.
وتقول: "إنّي عبدُ الله" إذا صغّرتَ نفسَك لرَبّك، ثمّ تُفسِّر حالَ العَبِيد بقولك: "آكِلًا كما يأكُل العَبِيدُ". فقولك: "آكلًا كما يأكل العبيد" قد حقّق أنّك عبدُ الله، فعلى هذا المعنى ونحوه يصحّ، ويفسُد. فكلُّ ما صحّ به المعنى، فهو جيّدٌ، وكلُّ ما فسد به المعنى، فهو مردودٌ.
وقوله: "تجيء على إثْرِ جملةٍ، عَقْدُها من اسمَيْن لا عَمَلَ لهما"، يعني أنّ الحال مؤكِّدةَ تأتِي بعد جملةٍ ابتدائيَّةٍ، الخبرُ فيها اسمٌ صريحٌ، ولا يكون فعلًا، ولا راجعًا إلى معنى فعل، لأنّ الحال ها هنا تكون تأكيدًا للخبر بذِكْرِ وَصْف من أوْصافه الثابتة له، والفعلُ لا ثَباتَ له، ولا يُوصَف.
وقوله: "ولو قلت: زيدٌ أبوك منطلقًا، أو أخوك أَحَلْتَ"، يعني أنّه لا يكون أخاه أو أباه في حالٍ دون حالٍ، أو وقتٍ دون وقتٍ، فإن أردتَ أنّه أخوه من حيثُ الصَّداقةُ، أو أبوه من حيثُ أنّه تبنّى به، جاز، لأنّ ذلك ممّا ينتقِل، فيجوز أن يكون في وقت دون وقت.
وأمّا العامل في هذه الحال، فهو عند سيبويه (?) فعلٌ مضمرٌ تقديره: أعْرِفُ ذلك، أو أَحُقُّه، ونحو ذلك ممّا دلّت عليه الحالُ، فيكون فيها توكيدُ الخبر بـ "أُحَقَّ"، و"أُعْرَفُ" كتوكيده باليَمِين. فإذا قلت: "أنا عبدُ الله معروفًا"، فكأنّك قلت: "لا شَكَّ فيه"، أو "أعرفُه"، أو "أحقُّه". وجرى ذلك في التأكيد بالجملة مجرَى قولك: "أنا عبد الله والله". وذهب أبو إسحاق الزجّاجُ إلى أنّ العامل في الحال الخبرُ لنِيابَته عن مُسَمًّى، أو مَدْعُوٍّ، ويُجعل فيه ذكْرٌ من الأوّل. والمذهبُ الأوّل.
قال صاحب الكتاب: "والجملة تقع حالاً, ولا تخلو من أن تكون اسمية, أو