قلت: "مررتُ به وَحْدَه"، فكأنّك قلت: "مررتُ به منفرِدًا"، ويحتمل عند سيبويه (?) أن يكون للفاعل وللمفعول. وكان الزَجّاج يذهب إلى أنّ "وحده" مصدرٌ، وهو للفاعل دون المفعول، فإذا قلت: "مررتُ به منفردًا"، فكأنّك قلت: "أفردتُه بمُروري إفرادًا". وقال يُونُس: إذا قلت: "مررتُ به وحدَه" فهو بمنزلةِ "مُوحَدًا"، أو "منفرِدًا"، وتجعله للمرور به. وليونسَ (?) فيه قولٌ آخر: أنّ "وحدَه" معناه: على حِياله، و"على حياله" في موضع الظرف، وإذا كان الظرفُ صفةً أو حالًا، قُدّر فيه مستقِرٌّ ناصبٌ للظرف، ومستقرٌّ هو الأوّلُ.

واعلم أنّ "وحدَه" لم يُستعمل إلاّ منصوبًا، إلاّ ما ورد شاذًّا، قالوا: "هو نَسِيجُ وَحْده" (?)، و"عُيَيْرُ وحده" (?)، و"جُحَيْشُ وحدِه" (?). وأمّا "نسيجُ وحده"، فهو مَدْحٌ، وأصلُه أنّ الثوْب إذا كان رَفِيعًا، فلا يُنسَج على مِنْواله معه غيرُه. فكأنّه قال: نسيجُ إفراده. يقال هذا للرجل إذا أُفْرِدَ بالفضل. و"أمّا عُيَيْرُ وحده"، و"جُحَيْشُ وحده"، فهو تصغيرُ "عَيْرٍ"، وهو الحِمارُ، يقال للوَحْشيّ والأهْليّ، و"جُحَيشُ وحده"، وهو وَلَدُ الحمار فهو ذَمٌّ، يقال للرجل المُعْجَبِ برَأْيه، لا يُخالِط أحدًا في رأي، ولا يدخل في مَعُونةِ أحد. ومعناه أنّه ينفرِد بخِدْمةِ نفسه، وأما قولهم: "جاؤوا قَضَّهم بقَضيِضهم"، أي: جميعًا، ولمّا كان معناه التنكيرَ جاز أن يقع حالًا. قال الشمّاخ [من الطويل]:

282 - أَتَتْنِي سُلَيْمٌ قَضَّهَا بقَضِيضِها ... تُمَسِّحُ حَوْلِي بالبَقِيع سِبالَها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015