فهذا مَثَلٌ، يقال لمن يزعم زَعَماتٍ، ويصحّ غيرُها، فلمّا صحّ خِلافُ قوله قيل: "هذا ولا زعماتِك" أي: هذا هو الحقُّ، ولا أتوهّمُ زعماتِك، أي: ما زعمتَه. والزعْمُ قولٌ عن اعتقاد، ولا يجوز ظهورُ هذا العامل الذي هو"أتوهّم" وشِبْهُه، لأنّه جرى مَثَلًا، والأمثالُ لا تُغيَّر، وظهورُ عامله ضربٌ من التغيير.

وقالوا: "كِلَيْهما وتَمْرًا"، ويُروى: كلاهما وتمرًا، وكثُر ذلك في كلامهم حتى جرى مَثَلًا، وأصله أنّ إنسانَا خُيّر بين شيئَيْن، فطَلَبَهما المخيَّرُ جميعًا وزيادةً عليهما. فمَن نصب فبإضمارِ فعل، كأنّه قال: "أعطني كليهما وتمرًا" ومَن رفع كليهما فبالابتداء، والخبرُ محذوف كأنّه قال: "كلاهما لي ثابتٌ وزِدْني تمرًا" والنصبُ أكثر.

وقالوا في مَثَل: "كل شيء ولا شَتِيمَةَ حُرّ"، ويُروى بنصبهما جميعًا، وبرفعِ الأول ونصب الثاني. فَمن نصبهما فبإضمارِ فعلَيْن، كأنّه قال: "إِيتِ كلَّ شيء، ولا ترتكِبْ شتيمة حرّ". ومَن رفع الأولَ فبالابتداء، كأنّه قال: "كلُّ شيء أَمَمٌ، ولا تَشْتِمَنْ حُرًّا"، أي: كلُّ شيء محتَملٌ، ولا تشتمن حرًّا، ومثلُه "كلَّ شيء ولا هذا"، أي: إِيتِ كلَّ شيء ولا هذا. ولم تظهر الأفعالُ في هذه الأشياء كلها لأنّها أمثال.

* * *

قال صاحب الكتاب: "ومنه قولهم انته أمراً قاصداً لأنه لما قال انته علم أنه محمول على أمر يخالف المنهي عنه قال الله تعالى: {انتهوا خيراً لكم} (?). ويقولون حسبك خيراً لك، و"وراءك أوسع لك" (?) , ومنه "من أنت زيدًا"؟ أي: تذكر زيدًا, أو ذاكرًا زيدًا"؟

* * *

قال الشارح: أمّا قولهم: "انتهِ أمرًا قاصدًا"، فإنّ "أمرًا" منصوبٌ بفعل مضمر تقديرُه: انته، وائْتِ أمرًا قاصدًا. فلمّا قال: "انته"، عُلم أنّه محمولٌ على أمر يخالف المنهي عنه, لأن النهْي عن الشيء أمرٌ بضِدّه، إلّا أنّه ها هنا يجوز لك إظهارُ الفعل العامل، لأنّه لم يكثُر استعمالُه كثرةَ الأول.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015