قال الشارح: قوله: "ومنه" يريد ممّا حُذف منه الفعلُ، ويجوز إظهارُه، فإن حذفتَه فللاستغناء عنه، وإن أظهرته فلتأكيد البَيان.
فمن ذلك إذا رأيتَ رجلاً متوجِّهًا وَجْهَ الحاجّ قاصدًا في هَيْئةِ الحاجّ، قلتَ: "مَكَّةَ وَاللهِ"، كأنّك قلت: "يريد مكّةَ واللهِ". وإن شئتَ أضمرتَ لفظَ الماضي، كأنّك قلت: "أراد مكةَ"، كأنّك أخبرتَ بهذه الصيغة أنّه كان فيها أَمْسِ، ولو أظهرتَ ما أضمرتَ لجاز.
وكذلك إذا رأيتَ أن رجلاً قد سدّد سَهْمًا قِبَلَ القِرْطاس، فقلت: "القرطاس واللهِ"، أي: يُصيب القرطاسَ، كأنّك لمّا شاهدت إجادة التسديد، فحدستَ الإصابة. وكذلك لو سمعت وَقْعَ السهم في القرطاس، قلت: "القرطاسَ واللهِ"، أي: أصاب القرطاسَ.
ومن ذلك لو رأيتَ ناساً يرقُبون الهِلالَ، وأنتَ متباعدٌ منهم، فكبّروا، لقلت: "الهلالَ واللهِ"، أي: أبصروا الهلالَ واللهِ.
ومن ذلك إذا قصَّ إنسانٌ عليك رُؤْيا رآها، فعبّرتها له، قلت: "خيرًا لنا وما سرَّ"، و"خيرًا لنا وشرَّا لعدُوّنا" تقول ذلك على سبيلِ التفاؤُل، كأنّك قلت: "رأيتَ خيرًا، وأبصرتَ خيرًا، ورأيت ما سرَّ"، أي الذي سرّ، ورأيتَ خيرًا، لنا وشرًّا لعدوّنا، وما أشبهَ ذلك.
ومن ذلك إذا ذُكر رجلٌ، فأُثْنِيَ عليه خيرٌ، أو شرٌّ، فقلت: "أَهْلَ ذاك"، أو "أَهْلَهُ" معناه ذكرتَ أهلَ ذاك، أو أهلَه، والهاءُ تعود إلى الذكْر أو الثناء، كأنّك قلت: "ذكرتَ أهلاً لذلك الذكر، أو الثناءِ"، لأنّه في ذكره، فحَمْلُه على المعنى. وأمّا قول الشاعر [من الخفيف]:
لن تراها ... إلخ
فقد ذهب سيبويه (?) إلى أنّه منصوبٌ على المعنى، لأنْه لما قال "لن تراها إلَّا ولها