و"سَعْدَيْكَ" مأخوذ من المساعدة والمتابعة، وإذا قال الإنسانُ: "لَبَّيْك"، فكأنّه قال: دَوامًا على طاعتك، وإقامةً عليها مرّةً بعد مرّة.
وكذلك "سَعْدَيْك" أي: مساعدةً بعد مساعدة، ومتابعةً بعد متابعة، فهما اسمان مثنَّيان، وهما منصوبان على المصدر بفعل مضمر تقديرُه من غير لفظه، بل من معناه، كأنّك قلت في "لبّيك": داومتُ وأقمتُ، وفي "سعديك": تابعتُ، وطاوعتُ، وليسا من قبيل "سَقْيًا لك ورَعْيًا"، تقديرُه: سقاك اللهُ، ورعاك اللهُ، إذ لا يحسن أن يُقال: ألُبُّ لَبَّيْك، وأسْعَدُ سَعْدَيْك، إذ ليس لهذه المصادر أفعالٌ مستعملةٌ تنصبهما، إذ كانت غيرَ متصرِّفة، ولا هي مصادرُ معروفةٌ كـ"سَقْيًا" وَ"رَعْيًا". وأمّا قولهم: "لَبَّى يُلَبِّي"، فهو فعلٌ مشتقٌّ من لفظِ "لَبَّيْك"، كما قالوا: "سَبْحَلَ" وَ "حَمْدَلَ" مِن "سُبْحانَ اللهِ" و"الحمدُ للهِ".
وقد ذهب يُونُس (?) إلى أنّ "لبَّيك" اسمٌ مفردٌ غيرُ مثنَّى، وأنّ الياء فيه كالياء التي في "عَلَيْك " وَ "لَدَيْك"، وأصلَه "لَبَّبٌ" "فَعْلَلٌ"، ولا يكون "فَعَّلًا" لقلّةِ "فَعَّلٍ" في الكلام، وكثرِة "فَعْلَل"، فقُلبت الباء التي هي لامٌ من "لَبَّبٍ" ياءً هَرَبًا من التضعيف، فصارت لَبَّيٌ، ثمَّ أُبدلت الياء ألفًا لتحرُّكها، وانفتاحِ ما قبلها، فصارت "لَبًّا"، ثمّ لمَّا أُضيفت إلى الكاف في "لَبَّيْك"، قُلبت الألف ياءً كما قُلبت الألف في "إلَى" و"لَدَى" إذا وصلتَهما بالضمير، فقلتَ: "إليك"، و"عليك"، و"لديك". ووجهُ الشَبَه بينهما أنّ "لبّيك" اسمٌ ليس له تصرُّفُ غيره من الأسماء، لأنّه لا يكون إلَّا مضافًا كما أنّ "إليك" و"عليك" و"لديك" لا تكون إلَّا منصوبةَ المواضع ملازِمةَ الإضافة، فقلبوا ألفَه ياءً، فقالوا: "لبّيك" كما قالوا "لديك"، و"عليك".
واحتجّ سيبويه على يونس فقال (?): لو كانت الياءُ في "لبّيك" بمنزلةِ ياءِ "لديك" و"إليك" لَوجب أنّك متى أضفتَها إلى ظاهرٍ، أقررتَ ألفَها بحالها كما أنّك إذا أضفت "لَدَى" و"عَلَى" و"إلَى" إلى الظاهر، أقررتَ ألفَها، وكنتَ تقول: هذا لَبَّى زيدٍ، ولَبَّى جعفرٍ، كما تقول: لدى زيد، وإلى عمرو، وأنشد [من المتقارب]:
166 - دَعَوْتُ لِمَا نَابَنِي مِسْوَرًا ... فَلَبَّى فلَبَّيْ يَدَيْ مِسْوَرِ