فرفع لمّا أفْرَدَ, لأنّه لم يدخله معنًى غيرُ الذي يوجِبه اللفظُ كما كان ذلك في حالِ التثنية، فإذا قلت: "حَنانَيْكَ"، فهو منصوبٌ بفعل مضمر تقديرُه: تَحَنَّنْ تحنُّنًا بعد تحنُّن، لكنّهم حذفوا الفعلَ, لأنّ المصدر صار بدلًا منه كما كان ذلك في "سَقْيًا لك ورَعْيًا". قال الشاعر [من الطويل]:

165 - أبَا مُنْذِرٍ أفْنَيْتَ فاسْتَبْقِ بَعْضَنا ... حَنانَيْك بَعْضُ الشَّرّ أَهْوَنُ مِن بعضِ

والتحنُّن: الرحْمةُ والخيرُ، فمعنَى قول القائل: "حنانَيْك": تحنُّنًا بعد تحنُّنٍ، أي كلَّما كنتَ في رحمة وخير، فلا تقطعنّ ذلك، وَلْيكنْ موصولًا بآخَرَ من رحمتك.

وأمّا "لَبَّيْكَ" و"سَعْدَيْكَ"، فهما مثنَّيان، ولا يُفْرَد منهما شيءٌ، ولا يُستعملان إلَّا مضافَيْن لِما ذكرتُه لك من إرادةِ معنى التكثير، فلمّا تَضمَّن لفظُ التثنية ما ليس له في الأصل من معنى التكثير، لزم طريقةً واحدةٌ ليُنِّبىء عن ذلك المعنى، فـ"لَبَّيْكَ" مأخوذٌ من قولهم: ألَبَّ بالمكان إذا أقام به، وألبَّ على كذا إذا أقام عليه، ولم يُفارِقه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015