دُعاءٌ إلى الحقّ، وأن يَثْنِيَ السامعُ إلى جملةِ القائلين بالتَّوْحِيد، وإلى مَن شِعارُهم قولُ: "الله أكبرُ"، فيكون دعوةً يتداعون بها، كأنّه قال: دعوا دُعاءَ الحقّ، ومثله قوله [من الرجز]:
163 - إنّ نِزارًا أصبحتْ نِزارَا ... دَعْوَةَ أبْرارٍ دَعَوْا أبْرارَا
نصب "دعوة" على المصدر, لأنّ معنَى "أصبحتْ نزارًا"، أي: يتداعون نزارًا، وذلك أنّ نزارًا، وهو أبو رَبِيعَةَ ومُضَرَ، لمّا وقع بين ربيعةَ ومضرَ تبايُنٌ وحروبٌ بالبصرة، وصارت ربيعةُ مع الأزْد في قِتالِ مضرَ، وكان رَئِيسُهم مسعودَ بن عمرو الأزديَّ، ثمَّ إنّ ربيعةَ صالحتْ مضرَ، فصار كأنّ نزارًا تفرّقتْ، ثم اجتمعتْ، فقال: أصبحتْ نزارًا، أي: أصبحت مجتمِعةَ الأولاد إذ دعا بعضُهم بعضًا. وفي حالِ التبايُن كان يقول: المُضَرِيّ بالمضر، ويقول الرَّبِيعيُّ بالربيعة, لأنّ أحدَ الفريقَيْن ما كان ينصُر الآخرَ، فقوله: "أصبحت نزارًا" بمنزلةِ قوله: "دعا بعضُهم بعضًا بهذا اللفظ"، ثمّ جاء بالمصدر، وهو "دعوةَ أبرار"، وأضافه إلى الفاعل, لأنه أبْينُ، إذ لو قال: تَمُرُّ مَرَّ السَّحَاب صُنْعًا، أو كِتَابًا، لم يكن فيه من البيان ما فيه مع الإضافة، وفي الجملة هذا الفصَلُ الذي فيه المصدرُ المؤكّدُ لغيره، نحوُ: "هذا زيدٌ حقًّا".
وما أكّد نفسَه، نحوُ: "له عليّ ألفُ درهم عُرْفًا" ينتصب على إضمار فعلٍ غيرُ كلامك الاْوّلِ, لأنه ليس بحالٍ، ولا مفعولٍ لَهُ، كأنّه قال: أحُقُّ حقًّا، وأتَجِدُّ جِدًّا، ولا أقول قولَك، وكَتَبَ اللهُ عليكم كتابًا. ولا يظهر الفعلُ كما لم يظهر في بابِ "سَقْيًا لك وحَمْدًا"، فاعرفه.
* * *
قال صاحب الكتاب: "ومنه ما جاء مثنى, وهو "حنانيك", و"لبيك" و"سعديك",