"عليكم كتاب الله"، فقدّم المنصوبَ، قال: وذلك جائزٌ، قد ورد به السَّماعُ وهو القياسُ، فالسماعُ قولُ الراجز:

162 - يَا أَيّهَا المائحُ دَلْوِي دُونَكَا ... إنّي رأيتُ الناسَ يَحْمَدونكا

والمراد: دونك دلوي. وأمّا القياس فإنّ الظرف نائبٌ عن الفعل تقديرُه: الْزَمُوا كتابَ الله، ولو ظهر الفعلُ، لَجاز تقديمُ معموله عليه، فكذلك ما ناب عنه، والحقّ المذهب الأوّل, لأنّ هذه الظروف ليست أفعالًا، وإنّما هي نائبةٌ عن الفعل، وفي معناه، فهي فروعٌ في العمل على الأفعال، والفروعُ أبَدًا منحطّةٌ عن دَرَجاتِ الأُصول، فإعمالُها فيما تقدّم عليها تَسْوِيَةٌ بين الأصل والفرع، وذلك لا يجوز.

وأما ما أنشده من البيت فلا حُجةَ فيه، لأنّا نقول "دلوي" رفعٌ بابتداء، والظرفُ الخبر كما تقول: دلوي عندك. وأمّا القياس الذي ذكروه فليس بصحيح لأنّه يؤدّي إلى التسوية بين الأصل والفرع. وقد أجاز بعضُ النحويّين أن يكون "دلوي" منصوبًا بإضمار فعل، كأنّه قال: امْلأْ دلوي، ويؤيِّد ذلك أنه لو قال: يا أيها المائح دلوي، ولم يَزِد عليه، جاز لدليلِ الحال عليه.

ومن ذلك قولهم: "الله أكبرُ دَعْوَةَ الحَقِّ", لأن قولك: "الله أكبر"، إنّما هو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015