لمجرّد التأكيد من غيرِ إحداثِ معنى، كما كانت "ما"، و"إنْ" ونحوُهما كذلك في قوله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} (?) وقوله [من الوافر]:
فما إن طِبّنا جُبُنٌ (?)
وزيادتُها قد جاءت في موضعَيْن: أحدهما: أن تزاد مع الفضلة، وأعني بالفضلة المفعول وما أشبهه، وهو الغالب عليها. والآخرُ: أن تزاد مع أحد جزأي الجملة التي لا تنعقد مستقلّةً إلَّا به. فأمّا زيادتها مع المفعول، فنحو قوله تعالي: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (?)، والمراد: أيدِيَكم. ألا ترى أنّ الفعل متعدٍّ بنفسه، يدل على ذلك قوله تعالى: {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} (?) و {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ} (?)؛ ومن ذلك قوله تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} (?)، والمراد: ألم يعلم أن الله يرى، يدل على ذلك قوله تعالى: {وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} (?). ومن ذلك قوله تعالى: {تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ} (?)، والمراد: تنبت الدهنَ. ألا ترى أنّه مِن "أنبَتَ"؟ فالهمزةُ فيه للنقل، وإذا كاَنت كذلك، فلا يُجْمَع بينها وبين الباء، فإنّه لا يجوز أن يُقال: "أذهَبتُ بزيدٍ"؛ لأن أحدهما يُغْنِي عن الآخر.
وقد ذهب قومٌ إلى أن الباء هنا ليست زائدة، وأنهّا في موضع الحال، والمفعولُ محذوف، والمعنى: تنبِت ما تُنبِته ودُهْنُه فيه، كما يُقال: "خرج زيدٌ بثيابه"، أي: وثيابُه عليه، وركب بسيفه. ومنه قول الشاعر [من المتقارب]:
ومُستَنَّة كاستِنانِ الخَرُوف ... قد قَطَعَ الحَبْلَ بالمِرْوَدِ (?)
أي: ومرودُه فيه.
وأمّا المُشابِة للمفعول؛ فقد زيدت في خبر "لَيسَ"، و"ما" لتأكيد النفي. قالوا: "ليس زيدٌ بقائم"، أي: قائمًا. قال الله تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ؟} (?)، أي: كافِيًا عبدَه. وقال: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟} (?)، أي ربَّكم. وقال: {وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ} (?)، أي: طاردَ المؤمنين، وقال: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا} (?)، أي: مؤمنًا لنا.
وأمّا زيادتها مع أحد جزءَي الجملة، ففي ثلاثة مواضع:
أحدُها: مع الفاعل قالَ: {وَكَفَى بِاللَّهِ} (?) فالباءُ وما عملتْ فيه في موضعِ