ومنه: "ما جاءنى زيدٌ ولا عمرٌو" قال الله تعالى. {لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ} (?)، وقال: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ} (?).

* * *

قال الشارح: وقد تزاد "لا" مؤكدةً ملغاةً كما كانت "ما" كذلك؛ لأنها أختُها في النفي، كلاهما يعمل عملَ "لَيْسَ". قال الله تعالى: {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} (?)، فَـ "لا" زائدةٌ مؤكّدةٌ، والمعنى: لِيَعْلَمَ. ألا تَرى أنّه لولا ذلك لانعكس المعنى؟ وقوله تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} (?)، {فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ} (?) إنّما هو: فأقسم، وعلى ذلك قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} (?)، ولذلك قال المفسرون في قوله تعالى: {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} (?): إنّ "لا" زائدةٌ مؤكّدةٌ، والمرادُ- والله أعلمُ-: أقسم.

وقد استبعد بعضهم زيادةَ "لا" هنا وأنكر أن يقع الحرف مزيدًا للتأكيد أوّلًا، واستقبحه، قال: لأنّ حكم التأكيد ينبغي أن يكون بعد المؤكَّد. ومنع من جوازه ثَعْلَبٌ، وجعل "لا" رَدًّا لكلام قبلها. وعلى هذا يقف عليها، ويبتدىء: أُقسم بيوم القيامة.

والمعنى على زيادتها، وأمّا كونها أوّلًا، فلأنّ القرآن كالجملة الواحدة نُزّل دفعة واحدةً إلى السماء الدنيا، ثمّ نزّل بعد ذلك على النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في نيّف وعشرين سنة. قال أبو العبّاس: فقيل: إنّ الزائد من هذا الضرب إنّما يقع بين كلامَين، أو بعد كلام، فكان من جوابهم أنّ مَجاز القرآن كله مجازٌ واحدٌ بعد ابتدائه، وأنّ بعضه يتّصل ببعض.

فإنما جاز أن تكون حروف النفي صلة على طريق التأكيد لأنه بمنزلةِ نفي النقيض في نحو قولك: "ما جاءني إلَّا زيدٌ"، فهو إثبات قد نفي فيه النقيض، وحُقَّق المجيء

طور بواسطة نورين ميديا © 2015