فـ "إنَّما" هنا لا تكون إلَّا المكسورة، لأنها في موضع المفعول الثاني، لـ"أرَى"، وهو فتح، "إنَّما" ها هنا، لم يستقم، لِما ذكرناه. وأمّا قوله تعالى في قراءةِ: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ} (?)، بفتحِ "أنَّمَا"، فضعيفةٌ ممتنعةٌ على قياس مذهب سيبويه، وقد أجازها الأخفش على البدل على حدّ قوله [من الطويل]:
فما كان قَيْسٌ هُلْكُه هُلْكَ واحدٍ (?)
فأمّا "إنَّما" المكسورة فتقديرها تقديرُ الجمل كما كانت "إنَّ" كذلك، و"ما"، كافّةٌ لها عن العمل، ويقع بعدها الجملة من المبتدأ والخبر، والفعل والفاعل. وهي مكفوفةُ العمل على ما ذكرنا، ومعناها التقليل، فإذا قلت: "إنّما زيدٌ بَزّازٌ"؟ فأنت تُقلل أمره، وذلك أنك تسلبه ما يُدّعى عليه غيرَ البَزّ، ولذلك قال سيبويه (?) في "إنَّما سرتُ حتى أدخلها": أنك تُقلِّل. وذلك أنّ "إنَّما" زادت "إنَّ" تأكيدًا على تأكيدها، فصار فيها معنى الحَصر، وهو إثبات الحكم للشيء المذكور دون غيره، فإنّ معنى "إنَّما اللهُ إلهٌ واحدٌ"، أي: ما الله إلَّا إله واحد، نحو: "لا إله إلا الله"، وكذلك {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ} (?)، أي: ما أنت إلَّا منذرٌ، ومن ها هنا قال أبو عليّ في قوله [من الطويل]:
إنما يُدافِع عن أحسابهم أنا أو مِثْلِي (?)