قال الشارح: قد تقدّم الكلام على هذه الحروف قبلُ مفصَّلًا، ونحن نُشِير إلى طَرَفٍ منه مُجْمَلًا، فنقول: هذه الحروف تنصب الاسم وترفع الخبر؛ لشَبَهها بالفعل. وذلك من وجهَين: أحدهما من جهة اللفظ، والآخر من جهة المعنى. فأمّا الذي من جهة اللفظ، فبناؤُها على الفتح كالأفعال الماضية. وأمّا الذي من جهة المعنى، فمن قبل أن هذه الحروف تطلب الأسماءَ وتختصّ بها، فهي تدخل على المبتدأ والخبر، فتنصب المبتدأ، وترفع الخبر؛ لِما ذكرناه من شَبَه الفعل، إذ كان الفعل يرفع الفاعل، وينصب المفعول. وشُبّهت مِنْ الأفعال بما تقدّم مفعوله على فاعله، فإذا قلت: "إنّ زيدًا قائمٌ"، كان بمنزلةِ "ضرب زيدًا عمرٌو".

وقد تدخل "ما" على هذه الحروف، فتكفّها عن العمل، وتصير بدخول "ما" عليها حروفَ ابتداء، تقع الجملةُ الابتدائية والفعلية بعدها، ويزول عنها الاختصاص بالأسماء، ولذلك يبطل عملُها فيما بعدها. وذلك نحو قولك: "إنَّما"، و"أنَّما"، و"كَأنَّما"، و"لَيْتَما"، وَ"لَعَلَّما". فأمّا "إنَّما"، و"أنَّما"، فحكمُهما حكم "إنَّ"، و"أنَّ": تفتحها في الموضع الذي تفتح فيه "أنَّ"، وتكسرها في الموضع الذي تكسر فيه "إنَّ"، فتقول: "حَسِبْتُك إِنّما أنت عالمٌ". ولا تكون "إنّما" ها هنا إلَّا مكسورة؛ لأنه موضعُ جملةٍ. ولا تقع المفتوحة ها هنا؛ لأن المفتوحة مصدرٌ.

والمفعولُ الثاني من مفعولَيْ هذه الأفعال ينبغي أن يكون هو الأوّلَ إذا كان مفردًا، وليس المصدر بالكاف في "حسبتك"، لأن الكاف ضمير المخاطب، و"أنَّمَا"، المفتوحةُ مصدرٌ، فهو غير المخاطب. ومن ذلك قول كُثَيِّرٍ [من الطويل]:

1102 - أرانى ولا كُفرانَ لله إنّما ... أُواخِي من الإخوانِ كُلَّ بَخِيلِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015