وقوله [من الرجز]:

وبَلْدَةٍ ليس بها أنِيسُ ... إلَّا اليَعافِيرُ وإلا العِيسُ (?)

كلّ ذلك مخفوض بإضمار "رُبَّ". وذلك أنّه لا يخلو الانجرارُ من أن يكون بالحرف الجارّ، أو بحرف العطف، إذ قد صار بدلًا منه، فلا يكون بحرف العطف؛ لأنه قد انجرّ حيث لا حرف عطف، وذلك فيما تقدّم، وفي قول الآخر [من الوافر]:

فإمّا تعْرِضِنَّ أمَيْمَ عَنّي ... وَينْزَغُكِ الوُشاةُ أُولو النِّباط

فَحُورٍ قد لَهَوْتُ بهنّ عِيْنٍ ... نَواعِمَ في المُروط وفي الرياطِ (?)

ألا ترى أن الفاء هنا ليست حرف عطف، وإنّما هي جواب الشرط، وإذا كانت الفاء جواب "إنِ" الشرطيّة؛ حصل الجرّ بإضمار الحرف لامحالةَ. ومن ذلك قولهم في القسم في الخبر لا الاستفهامِ في ما حكاه سيبويه (?): "اللهِ لأقومنّ" يريد: بالله ثمّ حذف.

وحكى أبو العبّاس أن رؤبة قيل له: "كيف أصبحتَ"؟ فقال. "خَيْرٍ عافاك اللهُ"، أي: بخيرٍ، فحذف الباء لوضوح المعنى. ومن ذلك ما ذهب إليه بعض متقدّمي البصريين في قوله عزّ وجلَّ: {وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ} (?)، على تقديرِ "في"؛ لئلاّ يلزم منه العطف على عاملَيْن، وعليه حمل بعضُهم قراءةَ حَمْزةَ: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} (?)، على تقديرِ: "وبالأرحام"؛ لأنّ العطف على المكنيّ المخفوض لا يسوغ إلَّا بإعادة الخافض، ومن ذلك قولهم: "لاهِ أبُوك"، يريدون: "للهِ أبوك"، قال الشاعر [من البسيط]:

1098 - لاهِ ابنُ عَمك لا أفضَلت في حَسَبٍ ... عَنَّا ولا أنت ديَّانِي فَتَخزوني

طور بواسطة نورين ميديا © 2015