قال الشارح: لمّا اشترط في الحرف أن يكون مصحوبًا بغيره، إذ لا معنى له في نفسه، استثنى منه حروفًا قد حُذف الفعل منها، وبقي الحرفُ وحده مفيدًا معنى، فربما ظنّ ظانٌّ أن تلك الفائدة من الحرف نفسه، والفائدةُ إنما حصلت بتقدير المحذوف. وتلك الحروفُ التي يجاب بها، وهي: "نَعَمْ"، و"بَلَى"، و"إي"، و"إنَّه"، بمعنَى "نعم" من قوله [من مجزوء الكامل]:
بَكَرَ العَواذِلُ في الصَّبُو ... ح يَلُمْنَنِي وألُومُهُنَّهْ
ويَقُلْنَ شَيْبٌ قد عَلَا ... كَ وقد كَبِرْتَ وقلتُ إنَّهْ (?)
أي: نَعَمْ قد علاني الشيب، فهذه الأشياءُ قد يُكتفى بها في الجواب، فيقال: "أقام زيدٌ؟ " فيقال في جوابه: "نَعَمْ"، أي: نعم قد قام. فـ "نعم" قد أفادت إيجاب الجملة بعدها، إلَّا أنها قد حذفت لدلالة الجملة المستفهَم عنها قبلها. واللفظُ إذا حُذف، وكان عليه دليلَ، وهو مرادٌ، كان في حكم الملفوظ، وكذلك سائرها. ألا ترى أنه قد ساغت الإمالةُ في "بَلى" و"لا" لوقوع الكناية بهما في الجواب بنيابتهما عن الجمل المحذوفة، فكذلك "يا" في النداء من نحوِ "يا زيدُ"، فـ "يا" قد ثابت هنا منابَ "أدْعُو"، و"أُنادِي".
وقد ذَهب بعضهم إلى أنها قد دخلت لمعنى التنبيه، والفعلُ مراد بعدها، والعملُ في الاسم بعدها إنما هو لذلك الفعل لا لها. وقال آخرون: إنما العملُ لها بالنيابة،