ومنه قوله تعالى: {تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا} (?)، أي: لا تزال تذكر يوسف حتى تكون حرضًا، أي: ذا حرضٍ، وهو الحُزْن.
قال صاحب الكتاب: و"ما دام" توقيت للفعل في قولك: "أجلس ما دمت جالساً"، كأنك قلت: "أجلس دوام جلوسك"، نحو قولهم: "آتيك خفوق النجم, ومقدم الحاج". ولذلك كان مفتقراً إلى أن يشفع بكلام؛ لأنه ظرف لا بد له مما يقع فيه.
* * *
قال الشارح: أمّا "ما دام" من قولك: "ما دام زيدٌ جالسًا"، فليست "ما" في أوّلها حرف نفي على حدّها في "ما زال"، و"ما برح"، إنّما "ما" ها هنا مع الفعل بتأويل المصدر، والمراد به: الزمان. فإذا قلت: "لا أُكَلمُك ما دام زيد قاعدًا"، فالمراد: دوامَ قعوده، أي: زمنَ دوامه، كما يُقال: "خفوقَ النجم"، و"مقدمَ الحاجّ". والمراد: زمنَ خفوق النجم، وزمنَ مقدم الحاجّ. وممّا يدلّ على أن "ما" مع ما بعدها زمانٌ، أنها لا تقع أوّلًا، فلا يُقال: "ما دام زيد قائمًا"، ويكون كلامًا تامًّا، ولا بد أن يتقدّمه ما يكون مظروفًا، وليس كذلك "ما زال" وأخواتها، فإنك تقول: "ما زال زيدٌ قائمًا"، ويكون كلامًا مفيدًا تامًّا. و"ما" من قولك: "ما دام" تقع لازمةٌ لا بد منها، ولا يكون الفعل معها إلّا ماضيًا، وليس كذلك "ما زال"، فإنّه يجوز أن يقع موقعَ "ما" غيرُها من حروف النفي، ويكون الفعل مع النافي ماضيًا ومضارعًا، نحوَ: "ما زال"، و"لم يزل"، و"لا يزال".
قال صاحب الكتاب: و"ليس" معناه نفي مضمون الجملة في الحال، تقول: "ليس زيد قائماً الآن"، ولا تقول: "ليس زيد قائماً غداً". والذي يصدق أنه فعل لحوق الضمائر وتاء التأنيث ساكنة به وأصله "ليس" كـ "صيد البعير".
* * *