النفي يُنافي هذا الغرض, لأنها إذا عرِيَتْ من حرف النفي، لم تفد الإثبات، والغرضُ منها إثبات الخبر. ولا يكون الإيجاب إلّا مع حرف النفي على ما تقدّم، إلّا أن حرف النفي قد يحذف في بعض المواضع، وهو مرادٌ. وإنما يسوغ حذفه إذا وقع في جواب القَسَم، وذلك لأمن اللبس، وزوال الإشكال. فمن ذلك [من الطويل]:
تزالُ حِبالٌ مُبْرَماتٌ أُعِدُّها ... لها ما مشى يومًا على خُفِّهِ جَمَلْ
والمراد: والله لا تزال، فحذف "لا". والحبالُ: العُهود. والمبرمات: المُحْكَمات. أعدها لها، أي: للمحبوبة مدّةَ مَشْي الجمل على خفّه، كما يُقال: "ما طار طائرٌ"، و"ما حَنّتِ النّيبُ". ودل على إرادة القسمَ حذفُ حرف النفي، فلولا القسم، لَما ساغ الحذف، ولا يجوز أن يحذف من هذه الحروف غيرُ "لا"، نحوَ: و"الله أقومُ"، والمراد: لا أقوم. وإنما لم يجز حذفُ غيرها؛ لأنه لا يجوز حذف "لَمْ"، و"ما"؛ لأنّ "لَمْ" عاملة فيما بعدها، والحرف لا يجوز أن يحذف ويعمل. وكذلك "ما" قد تكون عاملة في لغة أهل الحجاز. ولا يكون هذا الحذف إلّا في القسم؛ لأنه لا يُلْبِس بالموجب، إذ لو أُريد الموجب، لأُتِيَ بـ"إنَّ" واللام، والنون، وهو كثير. قال امرؤ القيس [من الطويل]:
فقلتُ لها تالله أبْرَحُ قاعدًا ... ولو قطعوا رَأسِي لَدَيكِ وأوْصالِي
أي: لا أبرحُ. وقال أيضًا [من مجزوء الكامل]:
تنفكّ تسمع ... إلخ
وقال [من البسيط]:
1029 - تالله يبقى على الأيام مُبْتَقِلٌ ... جَوْنُ السَّراةِ رَباعٍ سِنُّهُ غَرِدُ