إنّ "إلّا" واقعة في غير موقعها، والنيّةُ بها التأخير، والمراد: "ما تنفكّ مناخة إلّا على الخسف". ومثله في وقوع "إِلا" في غير موقعها قوله تعالى: {إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا} (?)، وقول الشاعر [من المتقارب]:

1025 - [أَحَلَّ لَهُ الشيْبُ أثْقالَهُ] ... وما اغْتَرَّهُ الشَّيْبُ إلّا اغْتِرارَا

ألا ترى أنك لو حملت الكلام على هذا الظاهر الذي هو عليه، لم يكن فيه فائدةٌ، لأنه: لا يُظَنّ إلّا الظن، ولا يغترّه الشيبُ إلّا اغترارًا، فإذ كان كذلك، علمت أن المعنى والتقدير: إنْ نحن إلّا نظنُّ ظَنًا، وما اغترّه إلّا الشيبُ اغترارًا.

فإن قيل: ما ذكرتَه من وقوعِ "إلا" في غير موضعها، إنما أُخّرت عن موضعها، ومعناه التقديم، وما ذكرتَه "إلّا" فيه مقدّمةٌ، وأنت تنوي بها التأخير، وذلك خلافُ ما ذكرتَه.

فالجواب: أنه إذا جاز التأخير، جاز التقديم, لأنه مثله في أنه واقع في غير موقعه. ويجوز أن يكون الشاعر راعى اللفظ, لأنه منفيّ، ولم ينظر إلى المعنى، فأدخل "إلّا" لذلك، ومثله كثيرٌ. قال الله تعالى: {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} (?)، فأَدخل الباء في الخبر لوجود لفظ النفي؛ لأنّ الباء إنما تزداد لتأكيد النفي، والمعنى فيها على الإيجاب. ومثله قوله تعالى: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} (?) في قول بعضهم: إنّ "إنْ" هنا بمعنى "نَعَمْ"، ودخلت اللام لوجود لفظِ، "إنْ"، وإن لم يكن المعنى معناها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015