كان في حكم المبتدَأ به، فلا يكون إلَّا مرفوعًا. والرفعُ هنا أوْجَهُ الوجهين؛ لأنه ظاهرُ الإعراب صحيحُ المعنى، والنصب على ظاهره عْيرُ صحيح؛ لأنك تعطفه على الشيء، وليس بمصدر، فيسهلَ عطفُه عليه. وإذا عطفتَه عليه، كان في حكم المخفوض باللام؛ لألْه معطوف على ما خُفض باللام، فيصير التقدير: وما أنا لغضب صاحبي بقؤول. والغضبُ ليس مقولاً، فيفتقر إلى التأويل الذي قدّرناه. وقد ردّ أبو العبّاس المبرّد على سيبويه تقديمَه النصبَ على الرفع هنا، وسيبويه لم يُقدِّم النصب, لأنه أحسن من الرفع، وإنما قدّمه لِما بني عليه البابَ من النصب بإضمار "أنْ".
وقوله تعالى: {لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ} (?)، لم يأت "ونقرّ"، إلَّا مرفوعًا على الابتداء والاستئناف، كانه قال: و"نحن نقرُّ في الأرحام". ولو نصب، لاختل المعنى، إذ كان بعدُ إذ ذلك لِنبيّن لكم القدرةَ على البَعْث, لأنه إذا كان قادرًا على ابتداع هذه الأشياء بعد أن لم تكن، كان أقدَرَ على إعادتها إلى ما كانت عليه من الحياة, لأنّ الإعادة أسهل من الابتداع.
قال صاحب الكتاب: ويجوز ما تأتينا فتحدثنا الرفع على الإشراك, كأنك قلت ما تأتينا فما تحدثنا ونظيره قوله تعالى: {ولا يوذن لهم فيعتذرون} (?) , وعلى الابتداء كأنك قلت ما تأتينا فأنت تجهل أمرنا. ومثله قول العنبري [من الخفيف]:
978 - غير أنا لم يأتنا بيقين ... فنرجي ونكثر التأميلا